في ذكر الرؤى ناتجًا عن قلة العلم بالنصوص الشرعية .. وناتجًا عن فراغ فكري وعاطفي لدى هذا المتحدث أيضًا.
وصف يومًا أحد الشعراء حاله وحال أصحابه في السجن، فقال:
إلى اللَّهِ فِيمَا نَابَنَا نَرْفَعُ الشَّكْوَى ... فَفِي يَدِهِ كَشْفُ الضرُورَةِ والبَلْوَى
خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وإِنَّا لأَهْلُهَا ... فَلَسْنَا مِنَ الأَمْوَاتِ فِيَها وَلَا الأَحْيَا
إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لحاجَةٍ ... فَرِحْنَا وقُلْنَا: جَاءَ هذَا مِنَ الدُّنْيَا
ونَفْرَحُ بِالرُّؤيا فَجُلُّ حَدِيثِنَا ... إذَا نَحْنُ أَصْبَحْنَا الحَدِيثُ عَنِ الرُّؤْيَا
فَإنْ حَسُنَتْ لَمْ تَأْتِ عَجْلَى وأَبْطَأَتْ ... وإن قَبُحَتْ لَمْ تُحْتبسْ وَأتتْ عَجْلَى
يتحدَّثُون كثيرًا عن الرُّؤيَا، لماذا؟
أولًا: للفراغ، فليس لديهم أحاديث، عن الوقائع والمستجدات؛ لأنهم مَعْزُولُونَ لا يسمعونها، خاصة في الزمن الماضي، وليس لهم عمل يشغلهم، ويقضي على فراغهم، خاصة في الماضي - أيضًا.
وثَانيًا: لأنهم في حال كرب، والرؤيا قد تكون مُبَشِّرَةً، تُشْعِرُ السجينَ بقرب خلاصه.
وربما كان في قصة يوسف -عليه السلام- وصاحبيه ما يُشِيرُ إلي أن السجين تحدث له الرؤيا، ويتحدث عنها، أكثر من غيره، خاصة وهو يعلم أن الأبواب كلها قد أغْلِقَتْ، فيلجأ إلى اللَّه، ويَصْدُقُ معه، فيحدث له من صفاء القلب ما لا يحدث له فى غير سِجْنِهِ.
إنه لجدير بالداعية أن يقتصد في ذكر الرؤى والأحلام، فلا يجعلها لُحمَةَ وعظه وسُدَاهُ، ولا يقيمها مقامَ الأدلة الشرعية.
كان -صلى اللَّه عليه وسلم- كما في "الصحيح"، إذا صَلَّى الفجرَ، التفت إلى أصحابه، فقال: "هَلْ رَأَي أحَدٌ مِنْكُمْ رُؤيَا؟ " (١).
(١) رواه البخاري (٧٠٤٧)، وانظر: "الفتح" (١٢/ ٤٣٩) وما بعدها.