- ومنها ما يكون بالزيادة؛ باعتماد مصادر لتلقي الأحكام مُغَايِرَة للأدلة الشرعية المعصومة؛ كالكتاب والسنة والإجماع، وإضفاء الحجية على هذه المصادر المزعومة، الأمر الذي يترتب عليه فتنة في الأرض، وفساد كبير.
وبالرغم من تعدد مظاهر "العدوان على مصادر التلقي" على يد الصوفية بصفة عامة، إلا أننا نخص بالذكر هنا ما تورط فيه مُدَّعُو المهدية بصفة خاصة، وكان له أثر في تدعيم دعواهم؛ كاعتماد بعضهم على المنامات، أو التلبيس على الناس بخوارق العادات، أو ادِّعاء التلقي المباشر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، أو دعاوى الإلهام والتحديث والكشف، أو زعم لقيا الخَضِرِ -عليه السلام- والأولياء، والتلقي عنهم.
إن تكرار ظاهرة "ادعاء المهدية" -المقترن بالاستجابة العاطفية الجارفة، والمندفعة من أتباع مُدَّعِيهَا- يعكس قصورًا أو تقصيرًا في هؤلاء الأتباع؛ حيث لم يُحْسنُوا ميزان النقد، والتمحيص والتفتيش الدقيق، قبل التورط في هذه الضلالات، "والعاقل ينظر قبل أن يمشيَ، والأحمق يمشِي قبل أن ينظُرَ"، كما أن هذا "التَّكْرَارَ" يعني أن فِئَاتٍ من الأمة لا تستنبط دروس وعبر التاريخ، وأنها تُلْدَغُ من نفس الجُحْرِ مرَّاتٍ ومرَّاتٍ؛ فأين هي من قول المعصوم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلًم-: "لا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحر وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ"(١)؟!
أسأل اللَّه -تعالى- أن ينفع بها أهل الحق والإيمان، وأن يقمع بها أهل البدع والبهتان، إنه كريمٌ منَّان، والحمد لله رب العالمين.
محمد بن أحمد إسماعيل المقدَّم
ثغر الإسكندرية في
الجمعة ١٥ من جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ
الموافق ١٥ من مايو ٢٠٠٨ م
(١) أخرجه البخاري (١٠/ ٤٣٩) في "الأدب"، ومسلم (٢٩٩٨) في"الزهد".