فاشتغل بملاقاة أهل الجدل، وأصحاب الكلام والمعتزلة، ثم انصرف إلى الأندلس فأظهر نُسكًا وورعًا، واغترَّ الناس بظاهره، فاختلفوا إليه وسمعوا منه، ثم ظهر الناس على سوء معتقده، وفتح مذهبه فانقبض من كان له إدراك وعلم، وتمادى في صحبته آخرون غلب عليهم الجهل فدانوا بنحلته، وكان يقول بالاستطاعة، وإنفاذ الوعيد، ويُحرِّف التأويل في كثير من القرآن .. "، وقال ابن حارث: "الناس في ابن مسرة فرقتان: فرقة تبلغ به مبلغ الإمامة في العلم والزهد، وفرقة تطعن عليه بالبدع لما ظهر من كلامه في الوعد والوعيد، وبخروجه عن العلوم المعلومة بأرض الأندلس، الجارية على مذهب التقليد والتسليم". وقد ولد ابن مسرة سنة (٢٦٩ هـ)، وتوفي سنة (٣١٩ هـ)، يقول مؤرخ الأندلس ابن حيان: "فَرَفَعَ الله بموته عن الناس فتنة"، قلت: قد أحسَّ أهل السُّنَّة من أهل قرطبة بخطورة هذه الفئة الضالة -وهي فرقة أصحاب ابن مسرة- فقاموا بتحذير أصحاب السلطان من خطورة هذه الفرقة، فقام أمير الأندلس في ذلك الوقت عبد الرحمن الناصر وأمر بقمع هذه الفئة الضالة وملاحقة أصحابها أينما وجدوا من أرض الأندلس، يقول ابن حيان في تاريخه "المقتبس": "وفي يوم الجمعة لتسع خلون من ذي الحجة سنة ٣٤٠ هـ، قرئ على الناس بالمسجدين الجامعين بالحضرتين، قرطبة والزهراء، كتاب أمير المؤمنين الناصر لدين الله إلى الوزير صاحب المدينة عبد الله بن بدر، بإنكاره لما ابتدعه المبتدعون، وشذ فيه الخارجون، من رأي الجماعة المنتمون إلى صحبة محمد بن عبد الله بن مسرة، وانتحلوه في الديانة، فافتتن العوام بما أظهره من التقشف والشظف في العيش، واستتروا لبدعهم بسكنى الأطراف البعيدة، حتى استمالوا بفعلتهم عصابة ... وفرقة، فتنت بمذاهبهم، وأن ذلك بلغ أمير المؤمنين، ففحص