للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبر بلفظ الفعل فقال: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) والفرق بينهما واضح والفعل يدور معناه على الالتذاذ والنفع، كما في كتب اللغة، وقد صرح أئمة اللغة بأن الفعل (استمتع) في هذا الموضع لا معنى له إلا ما ذكرنا، وقد ورد لفظ (استمتع) في غير هذا الموضع، ولم يرد به المتعة اتفاقاً وذلك في قوله جل وعز {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} [الأحقاف: ٢٠] يعني تعجلتم الانتفاع بها، وقال {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ} [التوبة: ٦٩] (بمعنى انتفعتم بحظكم ونصيبكم) (١).

وقال ابن الجوزي: وأما الآية فإنها لم تتضمن جواز المتعة، لأنه تعالى قال فيها {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} فدل ذلك على النكاح الصحيح (٢).

والتمتع لا يوجب الإحصان عند المجيزين، إذ هم لا يوجبون الرجم على من زنى بعد تمتع، فلا يقوم الرجم إلا على من نكح تأبيداً، والله سبحانه إنما أحل الابتغاء بالأموال ما يوجب الإحصان (٣).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما متعة النساء المتنازع فيها فليس في الآية نصٌ صريح بحلِّها، فإنه تعالى قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٢٤) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٤ - ٢٥] فقوله: (فما استمتعتم به منهن) يتناول كل من دُخِلَ بها من النساء، فإنه أمر بأن يُعطَى جميع الصداق، بخلاف المطلقة قبل الدخول التي لم يستمتع بها فإنها لا تستحق إلا نصفه، وهذا قوله تعالى:

{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: ٢١] فجعل الإفضاء مع العقد موجباً لاستقرار الصَّداق، يبين ذلك أنه ليس لتخصيص النكاح المؤقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنىً، بل إعطاء


(١) الجصاص لأحكام القرآن (٣/ ٩٤).
(٢) زاد المسير - ابن الجوزي (١/ ٣٩٢).
(٣) نكاح المتعة ص ٣٠٣.

<<  <   >  >>