للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الأول

تاريخ إباحة نكاح المتعة وتحريمها في السنة النبوية

[إن فقهاء السنة لا ينكرون أن المتعة رخص فيها في بعض المناسبات الضرورية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، فالمتتبع لأحاديث إباحة المتعة في أول الأمر يرى أن تلك الإباحة لم تكن حال القرار في الوطن والدار، بل إنما أحلت في الغزو البعيد والسفر الطويل؛ إذ يشتد الشبق، ويقل الصبر، وتخشى الفتنة، وضعف العفة، فكان من الحكمة أن يكون فطمهم عن الفاحشة تدريجيًّا كما حُرمت الخمر كذلك.

(فنكاح المتعة أبيح يوم أبيح للضرورة في حال السفر والغزو والبعد عن الوطن والزوجة؛ كرامة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الجيل المثالي الذي أرخص نفسه وماله في سبيل الله متحملًا أغلى التضحيات وأفدح المشاق، ولما زالت أسباب الإباحة وفطمت النفوس بالتدريج عن مألوفاتها المعتادة في تلك المرحلة الانتقالية من الجاهلية إلى الإسلام، وأخذ المجتمع الإسلامي سبيله إلى الاستقرار، واتجه التشريع إلى إحكام الصيغة النهائية للأحكام الأساسية، أذن الله لنبيه بتحريم المتعة ونسخها إلى أبد الآبدين] (١).

وقد نقل الإمام النووي في شرحه لـ «صحيح مسلم» عن القاضي عياض حيث قال: «روى أحاديث المتعة جماعة من الصحابة … وليس في هذه الأحاديث كلها أنها كانت في الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو، عند ضرورتهم، وعدم النساء، مع أن بلادهم كانت حارَّة، وصبرهم عنهن قليل. وقد ذكر في حديث ابن عمر أنها كانت رخصة في أوَّل الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة ونحوها … » (٢).

وأخرج ابن عبد البر من حديث سهل بن سعد بلفظ: إنَّما رخص رسول الله صلى الله


(١) راجع: توثيق السنة، أحمد حارث السحيمي ص (٥١٨).
(٢) شرح صحيح مسلم للنووي: (٩/ ١٨٠) (ط. دار الفكر، بيروت، ١٩٧٨ م).

<<  <   >  >>