وقال حنبل: قال أبو عبد الله: ما رأيت أحدًا على حداثة سنه وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، وإني لأرجو أن يكون قد خُتم له بخير، قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، الله الله، إنك لست مثلي، إنك رجل يقْتَدَى بك، قدَّمَت الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق الله واثبت لأمر الله، أو نحو هذا، فمات وصليت عليه ودفنته، أظنه قال: بعانة (١).
قال لي صالح: وصار أبي إلي بغداد مقيدًا، فمكث بالياسرية أيامًا، ثم حُبس في دار اكتريت عند دار عمارة، ثم نقل بعد ذلك إلى حتس العامة في درب الموصلية، فقال أبي: كنت أصلي بأهل السجن وأنا مقيد، فلما كان في رمضان سنة تسع عشرة حِّولْت إلى دار إسحاق بن إبراهيم.
وأما حنبل بن إسحاق فقال: حبس أبو عبد الله في دار عمارة ببغداد في إصطبل لمحمد بن إبراهيم أخو إسحاق بن إبراهيم، وكان في حبس ضيق، ومرض في رمضان، فحبس في ذلك الحبس قليلا، ثم حوّل إلى سجن العامة، فمكث في السجن نحوًا من ثلاثين شهرًا، فكنا نأتيه، وقرأ عليَّ كتاب الإرجاء وغيره في الحبس، فرأيته يصلي بأهل الحبس وعليه القيد، فكان يخرج رجله من حلقة القيد وقت الصلاة والنوم.
رجعنا إلى ما حكاه صالح بن أحمد عن أبيه لما حُوِّل إلى دار إسحاق ابن إبراهيم: فكان يوجه إلي كل يوم برجلين، أحدهما يقال له أحمد بن رباح، والآخر أبو شعيب الحجام، فلا يزالان يناظراني، حتى إذا أرادا
(١) عانة: سبق قبل أسطر تسميتها (عانات) ففى معجم البلدان: (عانة) بلد مشهور بين الرقة وهيت، يعد في أعمال الجزيرة، وجاء في الشعر عانات، كأنه جمع بما حوله.