للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تسبب إلى استنباط المعاني، واستخراج لطائف فقه الحديث، وتراجم الأبواب الدالة على ما له صلة بالحديث المروي فيه تسببه، ولله الفضل يختص به من يشاء".

قال الحافظ ابن حجر: هذا مع اتفاق العلماء على أن البخاري كان أجل من مسلم في العلوم، وأعرف بصناعة الحديث منه، وأن مسلمًا تلميذه وخريجه، ولم يزل يستفيد منه ويتبع آثاره حتى قال الدارقطني "لما ذكره عند الصحيحين": "لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء"١. وقال مرة أخرى: "وأي شيء صنع مسلم؛ إنما أخذ كتاب البخاري فعمل عليه مستخرجًا، وزاد فيه زيادات".

الثاني: أن مدار الحديث الصحيح على اتصال السند، والسلامة من الشذوذ والعلة، مع الضبط والإتقان للرواة، وهذه الأوصاف في كتاب البخاري أقوى منها في كتاب مسلم، فهو أشد اتصالًا، وأوثق رجالًا، وأبعد عن الشذوذ والعلة.

- فمن حيث اتصال السند: إن الإسناد المعنعن الذي يقال فيه: "فلان عن فلان" اكتفى مسلم فيه بالمعاصرة، أما البخاري فلا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة، وقد أظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه، وجرى عليه في صحيحه، كما جرى مسلم على مذهبه المذكور في صحيحه، وصرح به في مقدمته، وبالغ في الرد على من خالفه، ولا شك أن مذهب البخاري في المعنعن أدخل في باب الاتصال، وأبعد عن شائبة الانقطاع، بخلاف ما ذهب إليه مسلم٢.

- ومن حيث السلامة من الشذوذ والإعلال: إن الأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت "٢١٠" اختص البخاري منها بـ"٧٨"، واختص مسلم بـ"١٠٠"، واشتركا في "٣٢"، ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر فيه٣.


١ شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر "ص١٠".
٢ راجع: المصدر السابق "ص١٠"، وتدريب الراوي "١/ ١١٤".
٣ راجع المصدرين السابقين.

<<  <   >  >>