للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في موضع آخر: "وقد رد العراقي وغيره قول ابن الصلاح هذا، وأجازوا لمن تمكن وقويت معرفته أن يحكم بالصحة أو بالضعف على الحديث بعد الفحص عن إسناده وعلله، وهو الصواب. والذي أراه أن ابن الصلاح ذهب إلى ما ذهب إليه بناء على القول بمنع الاجتهاد بعد الأئمة، فكما حظروا الاجتهاد في الفقه أراد ابن الصلاح أن يمنع الاجتهاد في الحديث، وهيهات فالقول بمنع الاجتهاد قول باطل لا برهان عليه من كتاب ولا سنة ولا تجد له شبه دليل"١.

- ويتضح من كلام أبي داود وغيره مما سبق ما يلي:

أولًا: أنه اهتم في سننه بجمع ما هو صحيح، وحسن، أو صالح للاحتجاج.

ثانيًا: أنه قد يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه أقوى من رأي الرجال.

ثالثًا: أنه يبين الأحاديث التي فيها وهن شديد.

رابعًا: أن ما سكت عنه فهو صالح عنده.

خامسًا: أنه يختار من الأحاديث الصحيحة طريقًا أو طريقين ويترك الطرق الأخرى، وربما فعل ذلك تجنبًا للضخامة وكبر الحجم.

سادسًا: أنه اختصر الحديث الطويل ليُفهم موضع الفقه منه.

وأما قوله: "وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء"، فقد يكون مراده: أنه لم يخرج لمتروك الحديث عنده على ما ظهر له، أو لمتروك مجمع على ترك حديثه إلا وبينه٢.

وأما الأحاديث التي سكت عنها: فمنها المتفق عليه، ومنها الموجود في أحد الصحيحين، ومنها ما هو على شرط الصحة، ومنها ما هو حسن لذاته، ومنها ما


١ الباعث الحثيث "ص٢٩". قال الحافظ السيوطي: "والأحوط في مثل ذلك أن يعبر عنه بصحيح الإسناد، ولا يطلق التصحيح لاحتمال علة للحديث خفيت عليه، وقد رأيت من يعبر خشية من ذلك بقوله: صحيح إن شاء الله، وكثيرًا ما يكون الحديث ضعيفًا أو واهيًا، والإسناد صحيح مركب عليه ... ". تدريب الراوي "١/ ١٨٣".
٢ راجع: شروط الأئمة الخمسة "ص٥٤".

<<  <   >  >>