للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمنزلة الرفيعة، فدفعتهم ميولهم وأهواؤهم إلى تزييف هذه الصورة الواقعية الصادقة، فرأوا في صحبته للرسول -صلى الله عليه وسلم- غايات خاصة له؛ حيث يشبع بطنه ويروي نهمه، وصوروا أمانته خيانة، وحديثه الكثير كذبًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبهتانًا، ورأوا في فقره مطعنًا وعارًا، وفي تواضعه ذلًّا، وفي أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لونًا من المؤامرات لخداع العامة، ورأوا في اعتزاله الفتن تحزُّبًا، فهو صنيعة الأمويين الذين طوَوْه تحت جناحهم، فكان أداتهم الداعية لمآربهم السياسية فكان لذلك من الكاذبين الواضعين للأحاديث على الرسول -صلى الله عليه وسلم- افتراء وزورًا.

هكذا كان أبو هريرة في نظر بعض أهل الأهواء مثل: النظام: إبراهيم بن سيار النظام، والمريسي: بشر المريسي، والبلخي، وأحمد أمين.

وتابعهم في هذا العصر بعض المستشرقين مثل: "جولد تسيهر" و "شبرنجر".

ومن دعاة العلم عبد الحسين شرف الدين العاملي "الإمامي" في كتابه "أبو هريرة"، ومحمود أبو رية في كتابه "أضواء على السنة المحمدية" الذي استقى كتابه هذا من أستاذه عبد الحسين، فكان أشد تعنتًا ومجانبة للصواب، وغيرهم.

وقد زعموا أن أبا هريرة أكثر فأفرط، وروى عنه أصحاب الصحاح والمسانيد فأكثروا وأفرطوا، وتصوروا أن أحاديثه موضوعة ومكذوبة، وقد تغلغلت في أصول الدين وفروعه وغفل عنها المسلمون، فلا بد من الدفاع عن الشريعة الغراء وحمايتها من الأكاذيب والأوهام.

وتصوروا غموض نسبه في الجاهلية والإسلام، وأنه شب جاهليًّا لا يستضيء بنور بصيرة، وصعلوكًا قد أخمله الدهر، ويتيمًا أزرى به الفقر، مؤجِّرًا نفسه بطعام بطنه حافيًا عاريًا راضيًا بهوان الذل، وأنه لم يكن مذكورًا في عهد أول خليفتين؛ بل كان مهملًا، ولم يذكروا له سوى أن عمر بعثه واليًا على البحرين ثم عزله سنة إحدى وعشرين، وفي سنة ثلاثين عزله وولَّى عثمان بن أبي العاص الثقفي، وانتزع منه عشرة آلاف درهم سرقها من مال الله.

<<  <   >  >>