للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحترز الناظم بتقييد النفي والطلب بمحضين من النفي التالي تقريرًا بالهمزة، ومن النفي المتلو بنفي آخر. ومن النفي المنتقض بإلا. فالأول نحو: ألم تأتني فأحسن إليك، بالرفع إذا لم ترد الاستفهام الحقيقي، وإنما أردت أن تحمل مخاطبك على الإقرار والاعتراف بإتيانه إليك وإحسانك إليه.

قال الشيخ عبد القاهر في شرح مختصره: "معنى قولنا الهمزة للتقرير، أنك ألجأت المخاطب إلى الإقرار بأمر قد كان، تقول: أضربت زيدًا، ولا يكون غرضك أن يعلمك أمرًا لم تكن تعلمه، ولكن أردت أن تقرره أي تحمله على أن يقر بفعل قد فعله". انتهى.

والمعنى: أنت أتيتني فأحسنت إليك. على حد قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: ٣٦] أي: الله كاف عبده، لأن نفي النفي إثبات. قال في التخليص١: "وهذا مراد من قال: إن الهمزة فيه للتقرير، أي بما دخله النفي لا بالنفي". انتهى.

فثبت بهذا أن الاستفهام التقريري يتضمن ثبوت الفعل، فلا ينصب المضارع في جوابه، لعدم تمحض النفي. وما ورد منه٢ منصوبًا فلمراعاة صورة النفي وإن كان تقريرًا، أو لأنه جواب الاستفهام.

"و" الثاني "نحو: ما تزال تأتينا فتحدثنا، و" الثالث نحو: "ما تأتينا إلا وتحدثنا". فإن معناهما الإثبات، فلذلك وجب رفع الفعل بعدهما. أما الأول فلأن "زال" للنفي، وقد دخل عليها النفي، ونفي النفي إثبات. وأما الثاني فلانتقاض النفي بإلا. ولك في نحو: ما تأتينا٣ فأكرمك، أربع أوجه:

أحدها: أن تقدر الفاء لمجرد عطف لفظ الفعل٤ على لفظ ما قبلها، فليكون شريكه في إعرابه، فيجب هنا الرفع لأن الفعل الذي قبلها مرفوع والمعطوف شريك المعطوف عليه، وكأنك قلت: ما تأتيني فما أكرمك، فهو شريكه في النفي الداخل عليه.

الثاني: أن يقدر٥ الفاء لمجرد السببية، ويقدر٥ الفعل الذي بعدها مستأنفًا،


١ التخليص في علوم البلاغة ص١٦٦.
٢ سقطت من "ب".
٣ في "ب"، "ط"، "تأتيني".
٤ في "ط": "النفي للفعل" مكان "لفظ الفعل".
٥ في "ب", "ط": "تقدر".

<<  <  ج: ص:  >  >>