للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ثم إن لم يكن لجوابها سبب غير" ذلك الشرط، "لزم امتناعه" أيضًا لملازمته له شرعًا أو عقلا أو عادة. فالأول "نحو" قوله تعالى؛ في بلعم بن باعوراء١: " {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} " [الأعراف: ١٧٦] فـ"لو" هنا دالة على أن مشيئة الله تعالى لرفع هذا المنسلخ منفية، ويلزم من نفيها أن يكون رفع المنسلخ منفيًّا إذ لا سبب للرفع إلا المشيئة وقد انتفت فيكون منفيًّا، لأن انتفاء السبب يستلزم انتفاء المسبب ضرورة. كما أن ثبوت السبب يستلزم ثبوت المسبب كذلك لما بينهما من التلازم الشرعي.

"و" الثاني: "كقولك: لو كانت الشمس طالعة، كان النهار موجودًا"٢، فطلوع الشمس سبب لوجود النهار، وقد انتهى بدخول "لو" عليه فينتفي وجود النهار لأن وجود النهار ليس له سبب غير طلوع الشمس، وقد انتفى. فيكون منفيًّا، لأن انتفاء السبب المساوي، يستلزم انتفاء المسبب لما بينهما من التلازم العقلي.

والثالث: كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] أي: السماوات والأرض، ففسادهما، وهو خروجهما عن نظامها المشاهد، منساب لتعدد الآلهة للزومه له على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء، وعدم الاتفاق عليه٣، فينتفي الفاسد بانتفاء التعدد المفاد بـ"لو" نظرًا إلى الأصل فيها. وإن كان القصد من الآية العكس، لأنها إنما سيقت لإثبات الوحدانية. ونفي التعدد. فوجوب أن يقال: إن معناه انتفاء التعدد لانتفاء الفساد, لما بينهما من التلازم العادي، وإلا بأن كان لجواب "لو" سبب غير شرطها، لم يلزم من امتناع شرطها امتناع جوابها ولا ثبوته. ثم تارة يكون ثبوته بالأولى، نحو: لو كان الشمس طالعة [بالفعل] ٤ كان الضوء موجودًا، فإنه لا يلزم من انتفاء الشمس انتفاء وجود النهار، لاحتمال أن يكون بالسراج مثلا، فإثبات الضوء مع طلوع الشمس أولى.

"ومنه" الأثر المروي عن عمر رضي الله عنه: "نعم العبد صهيب. "لو لم يخف الله لم يعصه""٥. فإنه لا يلزم من انتفاء: لم يخف, انتفاء: لم يعص، حتى يكون


١ كان بلعم بن باعوراء يعلم اسم الله الأعظم، فلما دعا على موسى عليه السلام وعلى بني إسرائيل أنساه الله تعالى الاسم. انظر المعارف ص٤٢.
٢ شرح ابن الناظم ص٥٠٤.
٣ سقطت من "ب".
٤ إضافة من "ط".
٥ النهاية ٢/ ٨٨، وهو من شواهد مغني اللبيب ١/ ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>