للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد خاف وعصى. لأن انتفاء العصيان له سببان: أحدهما: خوف العقاب، وهو وظيفة العوام، والثاني: الإجلال والإعظام، وهو وظيفة الخواص. والمراد أن صهيبًا رضي الله تعالى عنه من قسم الخواص، وأنه لو قدر خلوه عن الخوف لم يقع منه معصية، فكيف والخوف حاصل له؟

وإنما لم تدل "لو" على انتفاء الجواب ههنا، لأن دلالتها على ذلك إنما هو من باب مفهوم المخالفة، [إذ مفهوم الشرط من أقسام مفهوم المخالفة، وفسر مفهوم المخالفة بأن يكون المسكوت عنه مخالفًا لحكم المذكور إثباتًا أو نفيًا، ومفهوم الموافقة بأن يكون المسكوت عنه موافقًا في الحكم المذكور] ١.

وفي هذا الأثر دل مفهوم الموافقة على عدم المعصية، لأنه إذا انتفت المعصية عند عدم الخوف، فعند الخوف أولى، وإذا تعارض هذان المفهومان، قدم مفهوم الموافقة [على عدم المعصية] ٢. ومن نسب هذا الأثر بهذا اللفظ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد وهم٣، وإنما أورد ما رواه أبو نعيم في الحلية٤، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سالم مولى أبي حذيفة: "إنه شديد الحب لله تعالى، لو كان لا يخاف الله ما عصاه"، وتارة يكون بالمساوي، كقوله -صلى الله عليه وسلم- في درة بنت أم سلمة: "لو لم تكن ربيبتي ٥ في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة" ٦، [رواه الشيخان. فإن حلها له، عليه الصلاة والسلام، منتف من وجهين: كونها ربيبته، وكونها ابنة أخيه من الرضاع] ٧. وهما متساويان في منع الحل.

وتارة يكون بالأدون، كقولك فيمن عرضت عليك نكاحها: لو انتفت أخوة الرضاع لما حلت من النسب، فإن حلها منتف من وجهين: أخوة الرضاع، والنسب. إلا أن حرمة الرضاع أدون من حرمة النسب.

"وإذا" كانت "لو" للتعليق في الماضي، و"وليها مضارع أول بالماضي"، وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:


١ إضافة من "ط".
٢ إضافة من "ب".
٣ في "أ": "وهن".
٤ حلية الأولياء ١/ ١٧٧.
٥ في "أ": "ابنتي".
٦ أخرجه البخاري في النكاح برقم ٤٨١٣، ومسلم في الرضاع برقم ١٤٤٩.
٧ سقط ما بين المعكوفين من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>