واختار لفظ الحمد لله بالجملة الاسمية موافقة لكتاب الله؛ ودلالة على الدوام والثبات، وتقديم الحمد باعتبار أنه أهم نظرا إلى كون المقام مقام الحمد، كما ذهب إليه صاحب الكشاف في تقديم الفعل في:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ١ [العلق: ١] ، وإن كان ذكر الله أهم نظرا إلى ذاته و"أل" في الحمد: للاستغراق، وقيل للجنس، وقيل للعهد، واللام في "الله" للملك أو للاستحقاق، وقيل للتعليل، والمعنى على الأول: جميع المحامد مملوكة لله أو مستحقة له، وعلى الثاني: جميع المحامد ثابتة لأجل الله.
فإن قيل: ما معنى كون حمد العباد لله تعالى، مع أن حمدهم حادث والله تعالى قديم، ولا يجوز قيام الحادث بالقديم؟ فالجواب: أن المراد منه تعلق الحمد لله، ولا يلزم من التعلق القيام كتعلق العلم بالمعلومات. "رب": معناه مالك، صفة من رَبَّه يَرُبُّه فهو رَبّ. وقيل هو في الأصل مصدر بمعنى التربية؛ وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا، ثم وصف به للمبالغة كما وصف بالعدل، وهو من أسماء الله تعالى، ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا، كرب الدار، ومنه {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}[يوسف: ٥٠] وقد استعمل في المالك؛ لأنه يحفظ ما يملكه. "العالمين": جمع عالم بفتح اللام، وهو اسم عام لجميع المخلوقات. سمي عالما لكونه علما على حدوثه، وافتقاره إلى موجد قديم. وإنما جمع باعتبار أنواع كل جنس مما سمي به، أو لأنه يتوجه إلى عالم كل زمان، وجمع بالواو أو الياء والنون؛ لأن الأصل فيه العقلاء، وغيرهم تطفل عليهم، قاله شارح السراجية. وقال ابن مالك:"التحقيق أنه اسم جمع محمول على الجمع؛ لأنه لو كان جمعا لعالم لزم أن يكون المفرد أوسع دلالة من الجمع؛ لأن العالم اسم لما سوى الله تعالى، والعالمين خاص بالعقلاء". ا. هـ.
"والصلاة": فَعْلَة من صلى إذا دعا بخير, والمراد بها هنا الاعتناء بشأن المصلَّى عليه وإرادة الخير له. "والسلام": التحية، وجمع بينهما امتثالا لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: ٥٦] ، حذرا من كراهة إفراد أحدهما عن الآخر؛ ولو خطأ. "الأتمّان الأكملان": نعتان للصلاة والسلام. "على سيدنا": من ساد قومه يسودهم سيادة فهو سيد، ووزنه فَيْعِل؛ وأصله سَيْوِد، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، ويطلق على الذي يفوق قومه، ويرتفع قدره عليهم، وعلى الحليم الذي لا يستفزه غضبه، وعلى الكريم، وعلى المالك، قاله النووي في أذكاره. "محمد": علم منقول من اسم مفعول حمد بالتشديد سمي صلى الله عليه وسلم بذلك لكثرة خصاله