للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سورة القصص]

أقول: ظهر لي بعد الفكرة: أنه سبحانه لما حكى في الشعراء قول فرعون لموسى: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ، وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} "الشعراء: ١٨، ١٩" إلى قول موسى: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} "الشعراء: ٢١"، ثم حكى١ في طس النمل قول موسى لأهله: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} "النمل: ٧" إلى آخره، الذي هو في الوقوع بعد الفرار، ولما كان [الأمران] ٢ على سبيل الإشارة والإجمال، بسط في هذه السورة ما أوجزه في السورتين، وفصل ما أجمله فيهما على حسب ترتيبهما.

فبدأ بشرح تربية فرعون له، مصدرًا بسبب ذلك: من علو فرعون، وذبح أبناء بني إسرائيل الموجب لإلقاء موسى عند ولادته في اليم خوفًا عليه من الذبح، وبسط القصة في تربيته، وما وقع فيها إلى كبره، إلى السبب الذي من أجله قتل القبطي، وهى الفعلة التي فعل، إلى الهم بذلك عليه، والموجب لفراره إلى مدين٣، إلى ما وقع له [فيها] ٤ مع شعيب، وتزوجه بابنته، إلى أن سار بأهله، وآنس من جانب الطور نارًا فقال لأهله: {امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} "٢٩" إلى ما وقع له فيها من المناجاة لربه، وبعثه إياه رسولًا، وما استتبع ذلك، إلى آخر القصة.

فكانت السورة شارحة لما أجمل في السورتين معًا على الترتيب٥.

وبذلك عرف وجه الحكمة في تقدم "طس" على هذه، وتأخيرها عن الشعراء، فلله الحمد على ما ألهم.


١ في المطبوعة: "وقال"، والمثبت من "ظ".
٢ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ".
٣ مدين: مدينة قوم شعيب، وهي تجاه تبوك، على بحر القلزم، وبها البئر التي استقى منها موسى -عليه السلام- لغنم شعيب. انظر: "مراصد الاطلاع ٣/ ١٢٤٦".
٤ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ".
٥ نظم الدرر "٥/ ٤٦٢" وما بعدها.

<<  <   >  >>