للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} "الماعون: ٢، ٣"، وترك تعظيم الخالق في قوله: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} "الماعون: ٤-٦"، وترك انتفاع١ الخلق في قوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} "الماعون: ٧".

فلما شرَّفه في هذه السور بهذه الوجوه العظيمة قال: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أي: هذه الفضائل المتكاثرة المذكورة في هذه السور، التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها، فاشتغل أنت بعبادة ربك، إما بالنفس، وهو قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} "الكوثر: ٢"، وإما بالمال وهو قوله: {وَانْحَرْ} ، وإما بإرشاد العباد إلى الأصلح، وهو قوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} "الكافرون:١، ٢" الآيات، فثبت أن هذه السورة كالتتمَّة لما قبلها.

وأما كونها كالأصل لما بعدها فهو: أنه تعالى يأمره بعد هذه أن يكف عن أهل الدنيا جميعًا بقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} إلى آخر السورة، ويبطل أديانهم٢، وذلك يقتضي نصرهم على أعدائهم؛ لأن الطعن على الإنسان في دينه أشد عليه من الطعن٣ في نفسه وزوجه٤، وذلك مما يجبن عنه كل أحد من الخلق؛ فإن موسى وهارون أرسلا إلى فرعون واحد فقالا: {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} "طه: ٤٥" ومحمد -صلى الله عليه وسلم- مرسَل إلى الخلق جميعًا، فكأن كل واحد من الخلق كفرعون بالنسبة إليه، فدبر الله في إزالة الخوف الشديد تدبيرًا لطيفًا بأن قدم هذه السورة، وأخبر فيها بإعطائه الخير الكثير، ومن


١ في المطبوعة: "نفع"، وفي "ظ": "إنفاع"، والمثبت من تفسير الرازي.
٢ في المطبوعة: "أذاهم" تحريف، والمثبت من "ظ"، وهو في تفسير الرازي.
٣ في تفسير الرازي: "الفسق".
٤ في تفسير الرازي: "أرواحهم وأموالهم".

<<  <   >  >>