للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرى الآخذون بهذا الاتجاه أن الدارس قد تدفعه الحاجة إلى تأسيس "عنصر" غير ذي مضمون نطقي أو سمعي في نظمه اللغوية المختلفة، من صوتية وصرفية ونحوية، إذ قد يعينه ذلك على الوصول إلى حقائقه ونتائجه بصورة سهلة دقيقة. وهذا "العنصر" اللغوي سموه "صفرا" zero على طريق المجاز بجامع التشابه بينه وبين "الصفر" في نظام الأعداد في خواص معينة، أهمها سلبية "الصفر" وسلبية الصفر العددي إذا أخذ منعزلا.

وفي حالة "الصفر" اللغوي كانت هناك صعوبات معينة، تتلخص في ثلاث:

١- المفروض أن يكون للعنصر اللغوي وجود مادي، ومن الواضح أن ليس للصفر مثل هذا الوجود.

٢- وظيفة العناصر اللغوية التعبير عن الفكر، والمفروض أن يتم هذا التعبير بعناصر أو رموز مادية materal signs والسكون ليس رمزا ماديا، إذ لا ينطق ولا يسمع١.

٣- كل عنصر لغوي لا بد له من صورة مادية "في النطق" form خاصة به، ويمكن تعرفها في كل السياقات المختلفة، لاستقرارها على حالة واحدة٢. ولا بد لكل عنصر لغوي كذلك من قيمة مميزة distinctive value، أي قيمة موقع التقابل مع قيم أخرى في سياقات معينة.


١ ليس المقصود بالرمز هنا الرمز الكتابي. وإنما المقصود به الصورة المادية للرمز العقلي "mental sign المخزون في الذهن. وهي تلك الصورة التي تحقق هذا الرمز العقلي في النطق. وهذا التفسير، على كل حال، مبني على رأي دي سوسير في مفهوم "الرمز اللغوي".
٢ التعبير "بالاستقرار على حالة واحدة" في النطق في تجوز. فالصوت أو الوحدة الصوتية، بعبارة أدق، تختلف صورها النطقية من سياق إلى آخر، ولكن المقصود هنا الاستقرار النسبي بمعنى الاحتفاظ بالخواص الأساسية التي تفرق بين وحدة وأخرى. كالفرق بين التاء والدال مثلا، على الرغم مما يخضعان له من تغيرات جزيئة في بعض السياقات.

<<  <   >  >>