للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استطاع أصحاب "منهج الصفر" التخلص من هذه الصعوبات كلها، بطريق أو بآخر، أما بالنسبة للصعوبة الأولى فقد توسعوا في استعمال لفظ "عنصر" وجعلوا من مدلولاته "وإن كانت جانبية أو هامشية بحسب تعبير بعضهم" ما ليس له وجود مادي. فكما توسع الرياضيون في فكرة "العدد" بحيث تشمل "الصفر" أو أي عدد "خيالي" كذلك لا ضير أبدا من التوسع في فكرة "العنصر اللغوي" لتغطي ظواهر أخرى؛ التنغيم، ومواقع الكلم في الجملة word-order والصفر كذلك.

وتخلصوا من الصعوبة الثانية بانتهاج منهج دي سوسير الذي يرى أن "الرمز المادي ليس ضروريا للتعبير عن الأفكار". فهناك كثير من الأفكار التي لا تحتاج إلى صور مادية للتعبير عنها، ويكتفي فيها "بالعدم" أو "الخلو" أو "الصفر".

ويوجد من ذلك في اللغة العربية أمثلة ذات أنواع عدة. منها -على المستوى الصرفي- فكرة الغيبة والإفراد والتذكير في الفعل الماضي في نحو: محمد حضر، حين يقارن بمثل: فاطمة حضرت. ففي المثال الثاني وجدت لاحقة مادية هي تاء التأنيث التي دلت على الغيبة والإفراد والتأنيث، في حين خلا المثال الأول من مثل هذه اللاحقة. وهذا الخلو نفسه ذو قيمة، إذ هو دليل فكرة التذكير بالإضافة إلى الإفراد والغيبة. وبهذا جاز لنا هنا افتراض وجود عنصر لغوي، أو "لاحقة صفر" zero suffix.

أما الصعوبة الثالثة وهي التي تفترض وجود كل من الصورة المادية للعنصر اللغوي والقيمة المميزة له فيبدو أنها هي الصعوبة الحقيقية في هذا المقام. وذلك لأن "الصفر" وهو العنصر اللغوي في حالتنا هذه ليست له أية صورة من هذا القبيل، إذ هو خال من أي مظهر سمعي devoid of any acoustic shape.

<<  <   >  >>