للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن الحقيقة فيما يتعلق بالصفر هي أن الشرطين تنتظمهما هذه الصعوبة الثالثة لا يمكن تحقق أحدهما مستقلا عن الآخر. فالصفر لا يمكن أن تكون له صورة يتعرف عليها إلا من خلال قيمته. أو بعبارة أخرى، إن تعرف الصفر إنما يتم بقيمته المميزة فقط. وهذه القيمة وحدها ذات غناء كبير في الدلالة عليه.

وقيمة الصفر هي وظيفته. وتثبت هذه الوظيفة وتتأكد حين يكون الصفر أو أي عنصر لغوي قادرا على التبادل commutation مع عناصر أخرى في مواقع لغوية معينة، أو على حد تعبير دي سوسير حين يكون هناك تقابل أو تخالف opposition بينه وبين غيره. والتقابل وسيلة من وسائل التعبير في رأي بعضهم، وبخاصة أولئك الذين يتبعون دي سوسير الذي يصرح بأن اللغة "قد تكتفي أحيانا بالتقابل بين الشيء واللاشيء". ومن هنا جاءت فكرة هذا الباحث العظيم التي تذهب إلى "أن الرمز المادي ليس ضروريا للتعبير عن الفكرة"، إذ قد "تقنع الفكرة بالصفر" للتعبير عنها١.

وبهذه الطريقة استطاع أصحاب "نظرية الصفر" أن يثبتوا أن "الصفر" جدير أن يسمى عنصرا وأن يصبح وحدة لغوية ذات قيم خاصة، تختلف من مستوى إلى آخر بحسب الظام اللغوي المعين الذي تنتمي إليه.

وبهذه السبيل نفسها يجوز لنا نحن أن نسمي "السكون" عنصرا، بل نطلق عليه اسم الحركة كذلك. أما أنه عنصر فواضح، ذلك لأنه -وإن خلا من الصورة المادية- يقوم بدور معين في اللغة العربية يقارن بأدوار العناصر الأخرى، ويظهر ذلك إما بطريقة التبادل أو التقابل على خلاف في وجهات نظر الدارسين. كما ألمعنا إلى ذلك.


١ See Zero in Linguistics, by W. Haas "Studies in linguistic analysis Special Vol. of the Philological Society, ١٩٥٧", pp. ٣٣-٥٣

<<  <   >  >>