لقد ضمت إلى ثروتها اللفظية أعدادا هائلة من الكلمات والصيغ، اقتضتها -وتقتضيها- مظاهر الحضارة المتجددة على مر الأيام. كما استحدثت هذه اللغة أنماطا من نظم الكلام وتأليفه، جاءت على ضرب غير معهود في العربية، بحسب المنصوص عليه في كتب اللغة، ولسنا نعدم أن نعثر على صور جديدة من النطق، لحقت ببعض الأصوات أو مواقع النبر أو أنماط التنغيم في الجملة والعبارة، حين تستخدم هذه اللغة في الكلام الفعلي.
أما فصحى التراث:
"وهو مصطلح لسنا من أنصاره، ولكنه يشيع بين الدارسين" فهي لغة كنوز الثقافة والحضارة العربية الأصيلة وترجمان الفكر العربي في العصور الزاهرة. وهي اللغة التي دونت قواعدها ونظمها واستقرت في كتب اللغة والنحو والبيان. وعلى وفق هذه القواعد وطرائق هذا النظم جاء التراث وآثاره العلمية المعهودة للمتخصصين وأضرابهم من الناس. وهذه اللغة بمميزاتها المعروفة لدى أهل الاختصاص قل أن يستخدمها كاتب أو أديب أو عالم في إنتاجه المعاصر. ولست أظن أن أحدا يستعملها في حديثه أو في أي لون من ألوان نشاطه اللغوي المنطوق، اللهم إلا في بعض الخطب المنبرية وما إليها، تلك الخطب التي لا تعدو أن تكون اقتباسا مباشرا من نصوص قديمة، لم يشهد أصحابها عصرنا الذي نعيش فيه.
هذا التصنيف الثلاثي لمستويات العربية يرشدنا في الحال إلى طريق اختيار الصيغة اللغوية المناسبة للمراحل الأولى من التعليم في الوطن العربي كله.
إننا نختار أن تكون الفصحى المعاصرة هي محور العمل في هذه المراحل وهدفنا الأول فيها، على ألا يقف بنا الأمر عند هذا الحد، بل لا بد من الالتجاء إلى المستويين الآخرين والتماس العون منهما، بحسب الحاجة، وبحسب الحال ومقتضياته التربوية والثقافية والقومية.