للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ب- ومن الصعوبات التي على الباحث العربي أن يذللها، إزالة "الأوهام" الراسخة في عقولنا نتيجة دراستنا لجوانب من النشاط اللغوي العربي القديم. وهذا عمل خطير شاق قد لا يأتي إلا بعد تقويم الدراسات اللغوية العربية بأسلوب جديد، وإلا بأن يكون عرض أصول علم اللغة الجديد عرضا يجمع إلى الدقة والصحة الوضوح والبيان، وإلا بالنص على الفروق بين التصورات المختلفة للغويين، وإلا بسوى ذلك من أمور.

ومن هذه الأوهام:

١- أن القارئ العربي سيشرع في قراءة هذا العلم الجديد، وفي ذهنه "مسلمات" لا يسلم بها هذا العلم. ومن هذه "المسلمات" ما يمس جوهرية "كأقسام الكلام"، فالكلمة عندنا "اسم" أو "فعل" أو "حرف"، ونحن نرى أن هذا التقسيم عقلي عام، بمعنى أنه صادق على جميع اللغات ماضيها وحاضرها ومستقبلها١.

ولكن الدراسة اللغوية الحديثة ترى أن هذا التقسيم لا يتصف بصفة "العموم". وترى أن المرجع في تقسيم الكلمة هو اللغة موضوع الدرس، فقد لا يصدق على لغة ما يصدق على أخرى، أي أن تقسيم الكلمة ينبغي أن تحدده


١ انظر كتب النحو العربية في تعريف الكلمة. ونحن هنا ننقل نصا شائعا لابن هشام الأنصاري المصري "المتوفى سنة ٧٦١هـ". عن كتابه "شرح شذور الذهب" "تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر وطبع المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة لصاحبها مصطفى محمد، سنة الطبع غير مذكورة، ص٦".
قال ابن هشام يشرح قوله في المتن إن الكلمة اسم وفعل وحرف: "قلت: الكلمة جنس تحته هذه الأنواع الثلاثة لا غير، أجمع على ذلك من يعتد بقوله، قالوا: ودليل الحصر أن المعاني ثلاثة: ذات، وحدث، ورابطة للحديث بالذات فالذات الاسم، والحدث الفعل، والرابطة الحرف، وأن الكلمة إن دلت على معنى في غيرها فهي الحرف، فإن دلت على زمان محصل فهي الفعل، وإلا فهي الاسم".
ثم أورد ابن هشام عقب هذا مباشرة قول ابن الخباز الذي ذهب إلى انقسام الكلمة إلى اسم وفعل وحرف ليس قاصرا على اللغة العربية، بل هو ماثل في جميع اللغات لأن الأساس الذي قام عليه هذا التقسيم أساس "عقلي". ولما كان ذلك كذلك فاللغات في هذا سواء، أي أن الكلمة في أي لغة من اللغات جنس تحته هذه الأنواع الثلاثة: الاسم والفعل والحرف.
قال ابن هشام "ص٦":
"قال ابن الخباز: ولا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب؛ لأن الدليل الذي دل على الانحصار في الثلاثة عقلي، والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات".

<<  <   >  >>