أشدهم إلحاحاً في ذلك، ولهذا نزل المقري عند رغبته، ووعده ((بالشروع في المطلب عند الوصول إلى القاهرة المعزية)) ، وبعد أن قطع في العمل شوطاً بدا له أن هناك صعوبات لا يستطيع التغلب عليها، فخامره التردد من جديد، وعاود ابن شاهين الإلحاح وكان اطلع على بعض ما جمعه المقري، فأحس بخيبة أمله لأن المقري لم يدرج في فاتحة الكتاب المجموع ما دار بينها من محاوره، مما اضطر المقري إلى معاودة العمل على نسق جديد، وتخصيص قسم من المقدمة ومن الكتاب لذكر دمشق وأصحابه فيها، وكان في البداية يزمع أن يسميه ((عرف الطيب في التعريف بالوزير ابن الخطيب)) فلما رأى أن المادة التي اجتمعت لديه قد استفاضت بحيث شملت تاريخ الأندلس وأدبها غير اسم الكتاب وجعله ((نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب)) . وعلى هذا النحو أصبح الكتاب قسمين: قسم خاص بالأندلس عامة وقسم خاص بلسان الدين وما يتعلق به من شئون. وفي كل قسم من هذين القسمين ثمانية فصول. وقد فرغ من كتابته ((عشية يوم الأحد المسفر صباحها عن ٢٧ رمضان سنة ١٠٣٨ بالقاهرة)) ثم ألحق فيه كثيراً في السنة التالية بعدها فيكون جميعه في آخر ذي الحجة الحرام تتمة سنة ١٠٣٩.
والحق أن زيارة المقري لدمشق كانت ارتباطاً ((بوعد)) ساعد المقري على إنجاز الكتاب، ولكني أرجح أن فكرة الكتاب كانت تجول في ذهنه، قبل ذلك؛ لأسباب منها:
١ - أن إعجابه بلسان الدين ابن الخطيب، بحيث يقلده في طريقته الإنشائية ويحفظ الكثير من رسائله وشعره، كان قميناً بدفعه إلى كتابه مؤلف عنه، وخاصة لإحساسه بالغربة والوحشة اللتين أحس بهما ((مثله الأعلى)) حينما لجأ إلى المغرب.