٢ - أن مثل هذا الكتاب كان كفيلاً بأن ينفس عنه كربه، ويعود به من خلال أشعار الحنين ومن خلال التاريخ الماضي والقريب إلى وطنه، عودة نفسية وروحية.
٣ - أن المنهج للتأليف في لسان الدين كان سهلاً مفتوح المسارب أمام عينيه لأنه قد مارس مثل هذا المنهج حينما كتب عن القاضي عياض كتاباً سماه ((أزهار الرياض)) .
٤ - أن انفصام آخر الروابط الإسلامية من الأندلس لم يكن قد مضى عليه إلا سنوات، فكانت صورة ((المأساة)) ما تزال تلح على مخيلة المقري، وكان الربط بين الماضي والحاضر من الأمور التي تعين على التذكر والتذكير والعبرة في آن واحد؛ وكل من درس ((نفح الطيب)) بتأمل، سيشعر بهذه الناحية، ويكفينا مثلاً على ذلك تلك الوقفة الطويلة التي وقفها المقري وهو يستعيد صورة المنصور بن أبي عامر الذي يمثل البطولة العربية بالأندلس في أوجها.
٥ - كان المقري كغيره من المغاربة يحس مدى إهمال المشارقة للتراث الأندلسي والمغربي، وكان ذلك الإهمال في القديم للاعتداد بالثقافة المشرقية، أما في عصر المقري فكان سببه ضعف الثقافة عامة، وحسبك أن تجد لسان الدين - وهو من هو في المغرب والأندلس - محتاجاً إلى من يعرف المشارقة به ويحدثهم عن أخباره؛ ولهذا وجد المقري أن كتابه مؤلف جامع شامل تحقق هذا الغرض، وكان في البدء يزمع أن يقصره على لسان الدين، ثم وجد أن صورة لسان الدين لا يمكن أن تتضح إلا على محمل من التطور الأدبي والسياسي في الأندلس. وفي الوقت نفسه كان الكتاب يحقق تبيان الصلة الثقافية بين المشرق والمغرب، ولهذا خصص جزءاً كبيراً من كتابه للرحلتين: رحلة المغاربة إلى الشرق ورحلة المشارقة إلى الأندلس والمغرب، وفي هذه الناحية الثانية كان المقري يحس أنه حلقة في تلك السلسلة الطويلة، وكأنه في مقدمة الكتاب وفي بعض