اللازمة (أصالة أو استطراداً) في كتابه أزهار الرياض وروضة الآس، فارتاحت نفسه إلى إعادة جملة غير قليلة من مادة كتابيه هذين.
هذه الصورة قد تخيل للقارئ أن الجهد في تأليف النفح لم يتعد تكديس المادة من المصادر التي تيسرت حينئذ للمؤلف. ولكن من الجور على المقري ألا نعترف له بفضله الكبير وهو قدرته - رغم الاستطرادات - على تسخير مادته لتصوير الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية بالأندلس وحرصه على أن يستنفذ من يد النسيان والضياع كثيراً من الأخبار عن الأندلس والمغرب؛ وما يزال قسم كبير من كتابه منقولاً عن أصول ضاعت ومستوعباً لأصول أخرى لا نجدها في سواه. وقد ظهر كثير من المصادر التي نقل عنها في خلال الأعوام المائة الأخيرة، إلا أن ظهورها لم ينقص من قيمة النفح كثيراً، بل إن وجود النفح كان بمثابة الوثيقة النافعة في تحقيق تلك المصادر. وعلى سبيل المثال أقول: إن المقري قد اعتمد كثيراً على المغرب لابن سعيد ولكن المقارنة الأولية بين نص المغرب المنشور ونص النفح تدلنا على أن المقري اعتمد نسخة أوفى بكثير من هذه التي لدينا؛ كذلك نقل كثيراً عن المطمح ولكن اعتماده على المطمح الكبير الذي لا نعرفه حتى اليوم يجعل نقوله نسخة متفردة في عدة أمور. والأمر يبدو على وجه أوضح إذا تساءلنا أين هو الطالع السعيد، والروض الأريض، وجنة الرضى، وكتب المقري الجد والأزهار المنثورة وغيرها من الكتب الكثيرة التي استعان بها المقري في هذا التأليف؟ إن كتاب النفح قد اتخذ الطابع ((الموسوعي)) الذي يجعله مغنياً عن عشرات الكتب لصعوبة الرجوع إلى تلك الكتب مجتمعة في نطاق، هذا إذا بالغنا في التفاؤل وقدرنا أن جميع مصادر النفح ستكون ذات يوم في متناول أيدي الدارسين.
٤ - تحقيق نفح الطيب:
لهذه القيمة التي لا يزال هذا الكتاب يتمتع بها رأيت أن أتولاه بالتحقيق