٦٧ - ومنهم أبو بكر بن الأزرق، وهو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حامد بن موسى بن العباس بن محمد بن يزيد، وهو الحصني، ابن محمد ابن مسلمة بن عبد الملك بن مروان، من أهل مصر، خرج من مصر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة، وصار إلى القيروان، وامتحن بها مع الشيعة، وأقام محبوساً بالمهدية، ثم أطلق ووصل الأندلس سنة تسع وأربعين، فأحسن إليه المستنصر بالله الحكم، وكان أديباً حكيماً، سمع من خاله أبي بكر أحمد بن مسعود الزهري، وولد سنة تسع عشرة وثلاثمائة بمصر، وتوفي بقرطبة في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، رحمه الله تعلى.
٦٨ - ومن الواردين على الأندلس من المشرق رئيس المغنين أبو الحسن علي بن نافع، الملقب بزرياب (١) ، مولى أمير المؤمنين المهدي العباسي، قال في " المقتبس ": زياب لقب غلب عليه ببلاده من أجل سواد لونه، مع فصاحة لسانه، وحلاوة شمائله، شبه بطائر أسود غرد عندهم، وكان شاعراً مطبوعاً، وكان ابنه أحمد قد غلب عليه الشعر أيضاً، وكان من خبره في الوصول إلى الأندلس أنه كان تلميذاً لإسحاق الموصلي ببغداد، فتلقف من أغانيه استراقاً، وهدي من فهم الصناعة وصدق العقل مع طيب الصوت وصورة الطبع إلى ما فاق به إسحاق، وإسحاق لا يشعر بما فتح عليه، إلى أن جرى بالرشيد مع إسحاق خبره المشهور في الاقتراح عليه بمغنٍ غريب مجيد للصنعة، لم يشتهر مكانه إليه، فذكر له تلميذه هذا، وقال: إنه مولىً لكم، وسمعت له نزعات حسنة، ونغمات رائقة ملتاطة بالنفس، إذا أنا وقفته على ما استغرب منها وهو من اختراعي واستنباط فكري، أحدث أن يكون له شأن، وقال الرشيد: هذا طلبتي، فأحضرنيه لعل حاجتي عنده، فأحضره، فلما كلمه الرشيد أعرب عن نفسه
(١) انظر الجزء الأول من النفح: ٣٤٤، وقد توفي زرياب سنة ٢٣٨ قبل وفاة الأمير عبد الرحمن بأربعين يوما (المقتبس: ٨٧ وترجته فيه قد سقطت) ؛ وانظر المغرب ١: ٥١.