للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صوت واحد، كان يهب من نومه سريعاً فيدعو بجاريتيه غزلان وهنيدة، فتأخذان عودهما، ويأخذ هو عوده، فيطارحهما ليلته ويكتب الشعر ثم يعود عجلاً إلى مضجعه، وكذلك يحكى عن إبراهيم الموصلي في لحنه البديع المعروف بالماخوري أن الجن طارحته إياه، والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك.

وزاد زرياب بالأندلس في أوتار عوده وتراً خامساً اختراعاً منه، إذ لم يزل العود ذا أربعة أوتار على الصنعة القديمة التي قوبلت بها الطبائع الأربع، فزاد عليها وتراً خامساً أحمر متوسطاً، فاكتسب به عوده ألطف معنى وأكمل فائدة، وذلك أن الزير صبغ أصفر اللون، وجعل في العود بمنزلة الصفراء من الجسد، صبغ الوتر الثاني بعده أحمر، وهو من العود مكان الدم من الجسد، وهو في الغلظ ضعف الزير، ولذلك سمي مثنى، وصبغ الوتر الرابع أسود، وجعل من العود مكان السوداء من الجسد، وسمي البم، وهو أعلى أوتار العود، وهو ضعف المثلث الذي عطل من الصبغ وترك أبيض اللون، وهو من العود بمنزلة البلغم من الجسد، وجعل ضعف المثنى في الغلظ، ولذلك سمي المثلث، فهذه الأربعة من الأوتار مقابلة للطبائع الأربع تقضي طبائعها بالعتدال، فالبم حار يابس يقابل المثنى وهو حار رطب وعليه تسويته، والزير حار يابس يقابل المثلث وهو حار رطب، قوبل كل طبع بضده حتى اعتدل واستوى كاستواء الجسم بأخلاطه، إلا أنه عطل من النفس، والنفس مقرونة بالدم، فأضاف زرياب من أجل ذلك إلى الوتر الأوسط الدموي هذا الوتر الخامس الأحمر الذي اخترعه بالأندلس، ووضعه تحت المثلث (١) وفوق المثنى، فكمل في عوده قوى الطبائع الأربع، وقام الخامس المزيد مقام النفس في الجسد.

وهو الذي اخترع بالأندلس مضراب العود من قوادم النسر، معتاضاً به من مرهف الخشب، فأبرع في ذلك للطف قشر الريشة ونقائه وخفته على


(١) ق: المثلثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>