للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصابع وطول سلامة الوتر على كثرة ملازمته إياه.

وكان زرياب عالماً بالنجوم وقسمة الأقاليم السبعة واختلاف طبائعها وأهويتها وتشعب بحارها وتصنيف بلادها وسكانها، مع ما سنح له من فك كتاب الموسيقى، مع حفظه لعشرة آلاف مقطوعة من الأغاني بألحانها، وهذا العدد من الألحان غاية ما ذكره بطليموس واضع هذه العلوم ومؤلفها.

وكان زرياب قد جمع إلى خصاله هذه الاشتراك في كثير من ضروب الظرف وفنون الأدب، ولطف المعاشرة، وحوى من آداب المجالسة وطيب المحادثة ومهارة الخدمة الملوكية ما لم يجده أحد من أهل صناعته، حتى اتخذه ملوك أهل الأندلس وخواصهم قدوة فيما سنه لهم من آدابه، واستحسنه من أطعمته، فصار إلى آخر أيام أهل الأندلس منسوباً إليه معلوماً به: فمن ذلك أنه دخل إلى الأندلس وجميع من فيها من رجل أو امرأة يرسل جمته مفروقاً وسط الجبين عاماً للصدغين والحاجبين، فلما عاين ذوو التحصيل تحذيفه هو وولده ونساؤه لشعورهم، وتقصيرها دون جباههم، وتسويتها مع حواجبهم، وتدويرها إلى آذانهم، ولإسبالها إلى أصداغهم - حسبما عليه اليوم الخدم الخصية والجواري - هوت إليه أفئدتهم، واستحسنوه. ومما سنه استعمال المرتك المتخذ من المرداسنج لطرد ريح الصنان من مغابنهم، ولا شيء يقوم مقامه، وكانت ملوك الأندلس تستعمل قبلة ذرور الورد وزهر الريحان وما شاكل ذلك من ذوات القبض والبرد، فكانوا لا تسلم ثيابهم من وضر، فدلهم على تصعيدها بالملح، وتبييض لونها، فلما جربوه أحمدوه جداً. وهو أول من اجتنى بقلة الهليون المسماة بلسانهم الإسفراج (١) ، ولم يكن أهل الأندلس يعرفونها قبله. ومما اخترعوه من الطبيخ اللون المسمى عندهم بالتفايا (٢) ، وهو مصطنع بماء الكزبرة


(١) في مفردات ابن البيطار: الاسفزاج، والصواب بالراء المهملة، وهو يقابل (Asparagus) .
(٢) التفايا: عددها صاحب كتاب الطبيخ من بسائط الأطعمة وهي أنواع منها التفايا البيضاء وتحضر من لحم الضأن الفتي السمين في قطع صغار ويضاف إليها ملح وفلفل وكزبرة يابسة ويسير من ماء بصلة مدقوقة ومغرفة من الزيت العذب وماء وتجعل على نار لينة وتحرك، ويجعل فيها بندق ولوز مقشر مقسوم، فإذا اردتها خضراء أضفت إليها ماء الكزبرة الرطبة، ومنها تفايا مبيضة وأخرى مقلية وأنواع منها مشرقية (كتاب الطبيخ ٨٥ - ٨٨، ١١٨ - ١١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>