للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند الخروج على الفم، فإن كان ألص الأضراس لا يقدر على أن يفتح فاه، أو كانت عادته زم أسنانه عند النطق، راضه بأن يدخل في فيه قطعة خشب عرضها ثلاث أصابع يبيتها في فمه ليالي حتى ينفرج فكاه، وكان إذا أراد أن يختبر المطبوع الصوت المراد تعليمه من غير المطبوع أمره أن يصيح بأقوى صوته: ياحجام، أو يصيح: آه، ويمد بها صوته، فإن سمع صوته بهما صافياً ندياً قوياً مؤدياً لا يعتريه غنة ولا حبسة ولا ضيق نفس عرف أن سوف ينجب وأشار بتعليمه، وإن وجده خلاف ذلك أبعده.

وكان له من ذكور الولد ثمانية: عبد الرحمن وعبيد الله ويحيى وجعفر ومحمد وقاسم وأحمد وحسن. ومن الإناث ثنتان: علية وحمدونة. وكلهم غنى ومارس الصناعة، واختلفت بهم الطبقة، فكان أعلاهم عبد الله ويتلوه عبد الرحمن، لكنه ابتلي من فرط التيه وشدة الزهو وكثرة العجب بغنائه والذهاب بنفسه بما لم يكن له شبه فيه، وقلما يسلم مجلس حضوره من كدر يحدثه، ولا يزال يجترىء على الملوك، ويستخف بالعظماء، ولقد حمله سخفه على أن يحضر يوماً مجلس بغض الأكابر الأعاظم في أنس قد طاب به سروره، وكان صاحب قنص تغلب عليه لذته، فاستدعى بازياً كان كلفاً به كثير التذكر له، فجعل يمسح أعطافه ويعدل قوادمه ويرتاح لنشاطه، فسأله عبد الرحمن أن يهبه له، فاستحيا من رده وأعطاه إياه مع ضنه به، فدفعه عبد الرحمن إلى غلامه ليعجل به إلى منزله، وأسر إليه فيه بسر لم يطلع عليه، فمضى لشأنه، ولم يلبث أن جاءه بطيفورية مغطاة مكرمة بطابع مختوم عليها من فضة، فغذا به لون مصوص قد اتخذ من البازي بعد ذبحه على ما حده لأهله، وذهب إلى الإنتقال عليه في شرابه، وقال لصاحب المجلس: شاركني في نقلي هذا فإنه شريف المركب (١) بديع الصنعة، فلما رآه الرجل أنكر صفته وعاب


(١) ق ودوزي: الموكب؛ والمركب يعني التركيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>