للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأنفة وعلو الهمم وفصاحة الألسن وطيب النفوس وإباء الضيم وقلة احتمال الذل والسماحة بما في أيديهم والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية، هنديون في إفراط عنايتهم بالعلوم وحبهم فيها وضبطهم لها وروايتهم، بغداديون في ظرفهم ونظافتهم ورقة أخلاقهم ونباهتهم وذكائهم وحسن نظرهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم وحدة أفكارهم ونفوذ خواطرهم، يونانيون في استنباطهم للمياه ومعاناتهم لضروب الغراسات واختيارهم لأجناس الفواكه وتدبيرهم لتركيب الشجر وتحسينهم للبساتين بأنواع الخضر وصنوف (١) الزهر، فهم أحكم الناس لأسباب الفلاحة، ومنهم ابن بصال صاحب " كتاب الفلاحة " الذي شهدت له التجربة بفضله، وهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال ومقاساة النصب في تحسين الصنائع أحذق الناس بالفروسية، وأبصرهم بالطعن والضرب.

وعد رحمه الله تعالى من فضائلهم اختراعهم للخطوط المخصوصة بهم، قال: وكان خطهم أولاً مشرقياً، انتهى. قال ابن سعيد: أما أصول الخط المشرقي وما تجد له في القلب واللحظ من القبول فمسلم له، لكن خط الأندلس الذي رأيته في مصاحف ابن غطوس الذي كان بشرق الأندلس وغيره من الخطوط المنسوبة عندهم له حسنٌ فائق، ورونق آخذ بالعقل، وترتيب يشهد لصاحبه بكثرة الصبر والتجويد، انتهى.

ونحو صدر كلام ابن غالب السابق مذكورٌ في رسالة لابن حزم، وقال فيها: إن أهل الأندلس صينيون في إتقان الصنائع العملية وإحكام المهن الصورية، تركيون في معاناة الحروب ومعالجة آلاتها والنظر في مهماتها، انتهى.

وعد ابن غالب من فضائلهم اختراعهم للموشحات التي قد (٢) استحسنها


(١) م: وأصناف.
(٢) قد: سقطت من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>