أهل المشرق وصاروا ينزعون منزعها، وأما نظمهم ونثرهم فلا يخفى على من وقف عليهما علو طبقاتهم.
ثم قال ابن غالب: ولما نفذ قضاء الله تعالى على أهل الأندلس بخروج أكثرهم عنها في هذه الفتنة الأخيرة المبيرة تفرقوا ببلاد المغرب الأقصى من بر العدوة مع بلاد إفريقية، فأما أهل البادية فمالوا في البوادي إلى ما اعتادوه، وداخلوا أهلها وشاركوهم فيها فاستنبطوا المياه، وغرسوا الأشجار، وأحدثوا الأرحي الطاحنة بالماء وغير ذلك، وعلموهم أشياء لم يكونوا يعلمونها ولا رأوها، فشرفت بلادهم وصلحت أمورهم وكثرت مستغلاتهم وعمتهم الخيرات، فهم أشبه الناس باليونانيين فيما ذكرت ولأن اليونانيين سكنوا الأندلس فورثواعنهم ذلك، وأما أهل الحواضر فمالوا إلى الحواضر واستوطنوها، فأما أهل الأدب فكان منهم الوزراء والكتاب والعمال وجباة الأموال والمستعملون في أمور المملكة، ولا يستعمل بلدي ما وجد أندلسي، وأما أهل الصنائع فإنهم فاقوا أهل البلاد، وقطعوا معاشهم، وأخملوا أعمالهم، وصيروهم أتباعاً لهم، ومتصرفين بين أيديهم، ومتى دخلوا في شغل عملوه في أقرب مدة، وأفرغوا فيه من أنواع الحذق والتجويد ما يميلون به النفوس إليهم، ويصير الذكر لهم، قال: ولا يدفع هذا عنهم إلا جاهل أو مبطل، انتهى.
[٢ - عن ابن سعيد]
وقال ابن سعيد، لما ذكر جملة من محاسن الأندلسيين: يعلم الله تعالى أني ما أقصد إلا إنصاف المنصفين الذين لا يميل بهم التعصب، ولا يجمح بهم الهوى، ولكن الحق أحق أن يتبع، فلعل مطلعاً يقف على ما ذكره ابن غالب فيقول: تعصب هذا الرجل لأهل بلده، ثم يغمس التابع له والراضي بنقل قوله في هذه الصبغة ويحمله على ذلك بعده عن الأرضين: