من أهل الأفق الأندلسي في ذكائهم، ويتغطى عنهم عند المباحثة والمفاتشة، ويقول لهم: إن علمي علم رواية، وليس بعلم دراية، فخذوا عني ما نقلت، فلم آل لكم أن صححت، هذا مع إقرار الجميع له يومئذٍ بسعة العلم وكثرة الروايات، والأخذ عن الثقات، انتهى.
[٥ - عن الحجاري]
ومن كلام الحجاري في " المسهب ": الأندلس عراق المغرب عزة أنساب، ورقة آداب، واشتغالاً بفنون العلوم، وافتناناً في المنثور والمنظوم، لم تضق لهم في ذلك ساحة، ولا قصرت عنه راحة، فما مر فيها بمصر إلا وفيه نجوم وبدور وشموس، وهم أشعر الناس فيما كثره الله تعالى في بلادهم، وجعله نصب أعينهم من الأشجار والأنهار والأطيار والكؤوس، لا ينازعهم أحد في هذا الشأن، وابن خفاجة سابقهم في هذا المضمار الحائز فيه قصب الرهان. وأما إذا هب نسيم، ودار كأس في كف ظبي رخيم، ورجع بم وزير، وصفق الماء خرير، أو رقت العشية، وخلعت السحب أبرادها الفضية والذهبية، أو تبسم عن شعاعٍ ثغر نهر، أو ترقرق بطلٍ جفن زهر، أو خفق بارق، أو وصل طيف طارق، أو وعد حبيب فزار من الظلماء تحت جناح، وبات مع من يهواه كالماء والراح، إلى أن ودع حين أقبل رائد الصباح، أو أزهرت دوحة السماء بزهر كواكبها، أو قوضت عند فيض نهر الصباح بيض مضاربها، فأولئك هم السابقون السابقون، الذين لا يجارون ولا يلحقون، وليسوا بالمقصرين في الوصف إذا تقعقعت السلاح، وسالت خلجان الصوارم بين قضبان الرماح، وبنت الحرب من العجاج سماء، وأطلعت شبه النجوم أسنةً وأجرت شبه الشفق دماء، وبالجملة فإنهم في جميع الأوصاف والتخيلات أئمة، ومن وقف على أشعارهم في هذا الشأن فضلهم فيه على أصناف الأمة