للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا إشبان، إنّك لذو شانٍ، وسوف يحظيك زمانٌ، ويعليك سلطانٌ، فإذا أنت غلبت على إيليا فارفق بذرية الأنبياء، فقال له إشبان: أساخرٌ (١) رحمك الله؟ أنّى يكون هذا مني وأنا ضعيفٌ ممتهنٌ حقيرٌ فقيرٌ ليس مثلي ينال السلطان؟ فقال له: قد قدّر ذلك فيك من قدّر في عصاك اليابسة ما تراه، فنظر إشبان إلى عصاه، فإذا بها قد أورقت، فريع لما رأى من الآية، وذهب الخضر عنه، وقد وقع الكلام بخلده، ووقرت في نفسه الثقة بكونه، فترك الامتهان من وقته، وداخل الناس، وصحب أهل البأس منهم، وسما به جدّه فارتقى في طلب السلطان حتى أدرك منه عظيماً، وكان منه ما كان. ثم أتى عليه ما أتى على القرون قبله، وكان ملكه كلّه عشرين سنةً، وتمادى ملك الإشبانيين بعده إلى أن ملك منهم الأندلس خمسة وخمسون ملكاً.

ثمّ دخل على هؤلاء الإشبانيين (٢) من عجم رومة أمّة يدعون البشتولقات (٣) ، وملكهم طلوبش (٤) بن بيطه، وذلك زمن بعث المسيح بن مريم عليه السلام، أتوا الأندلس من قبل رومة، وكانوا يملكون إفرنجة معها، ويبعثون عمالهم إليها، فاتخذوا دار مملكتهم بالأندلس مدينة ماردة، واستولوا على مملكة الأندلس، واتصل ملكهم بها مدّة إلى أن ملك منهم سبعةٌ وعشرون ملكاً.

ثم دخل على هؤلاء البشتولقات أمة القوط مع ملكٍ لهم، فغلبوا على الأندلس، واقتطعوها من يومئذ من صاحب رومة، وتفرّدوا بسلطانهم، واتخذوا مدينة طليطلة دار مملكتهم، وأقروا بها سرير ملكهم، فبقي بإشبيلية علم الإشبانيين ورياسة أوليتهم.

وقد كان عيسى المسيح (٥) عليه السلام، بعث الحواريين في الأرض يدعون


(١) ك: أساخر بي.
(٢) ط ق ج: الاشبان.
(٣) في الروض: الشبونقات، وفي ابن عذاري: البشترلقات؛ وفي ط: البشتونقات.
(٤) ج: طلويش.
(٥) ق: عيسى بن مريم؛ ج: المسيح عيسى.

<<  <  ج: ص:  >  >>