للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أوتي ما أوتي من البلاغة والبيان أنه يذكر طائفتين قد سمى إحداهما أولى إلا والتالية لها ثانية، فهذا من باب الإضافة وتركيب العدد، وهذا يقتضي طبيعة صناعة المنطق، إذ لا تكون الأولى أولى إلا لثانية، ولا الثانية ثانية إلا لأولى، فلا سبيل إلى ذكر ثالث إلا بعد ثان ضرورة، وهو صلى الله عليه وسلم إنما ذكر طائفتين، وبشر بفئتين، وسمى إحداهما الأولين، فاقتضى ذلك بالقضاء الصدق آخرين، والآخر من الأول والثاني الذي أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خير القرون بعد قرنه، وأولى القرون بكل فضل بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه خير من كل قرن بعده، ثم ركب البحر بعد ذلك أيام سليمان بن عبد الملك إلى القسطنطينية، وكان الأمير بها في تلك السفن هبيرة الفزاري، وأما صقلية فإنها فتحت صدر أيام الأغلبة سنة ٢١٢، أيام قاد إليها السفن غازياً أسد بن الفرات القاضي صاحب أبي يوسف رحمه الله تعالى، وبها مات، وأما إقريطش فإنها فتحت بعد الثلاث والمائتين (١) ، افتتحها أبو حفص عمر بن شعيب المعروف بابن الغليظ (٢) ، من أهل قرية بطروج من عمل فحص البلوط المجاور لقرطبة من بلاد الأندلس، وكان من فل الربضيين، وتداولها بنوه بعده إلى أن كان آخرهم عبد العزيز بن شعيب الذي غنمها في أيامه أرمانوس بن قسطنطين ملك الروم سنة ٣٥٠ (٣) ، وكان أكثر المفتتحين لها أهل الأندلس.


(١) في الجذوة: بعد الثلاثين والمائتين؛ وفي ياقوت (إقريطش) : بعد سنة ٢٥٠، وذكر أبو سعيد ابن يونس أن شعيب بن عمر بن عيسى أبا عمر، تولى فتح جزيرة إقريطش بعد سنة عشرين ومائتين، وقال البلاذري (فتوح: ٢٧٩) إن أبا حفص عمر بن عيسى الأندلسي المعروف بالإقريشي غزاها في خلافة المأمون وافتتح حصنا واحدا ونزله ثم لم يزل يفتح منها شيئا بعد شيء؛ ولعل هذا هو سبب الاختلاف في تاريخ فتحها.
(٢) ترجمة عمر بن شعيب في الجذوة: ٢٨٢ نقلا عن ابن حزم.
(٣) افتتحها ارمانوس في منتصف المحرم ٣٥٠ فقتل ونهب وأخذ صاحبها عبد العزيز بن شعيب وبني عمه وأموالهم إلى القسطنطينية (ياقوت: إقريطش) .

<<  <  ج: ص:  >  >>