للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما في قسم الأقاليم فإن قرطبة مسقط رؤوسنا، ومعق (١) تمائمنا، مع سر من رأى في إقليم واحد، فلنا من الفهم والذكاء ما اقتضاه إقليمنا، وإن كانت الأنوار لا تأتينا إلا مغربة عن مطالعها على الجزء المعمور، وذلك عند المحسنين للأحكام التي تدل عليها الكواكب ناقص من قوى دلائلها، فلها من ذلك على كل حال حظ يفوق حظ أكثر البلاد، بارتفاع أحد النيرين بها تسعين درجة، وذلك من أدلة التمكن في العلوم والنفاذ فيها عند من ذكرنا، وقد صدق ذلك الخبر، وأبانته التجربة، فكان أهلها من التمكن في علوم القراءات والروايات وحفظ كثير من الفقه والبصر بالنحو والشعر واللغة والخبر والطب والحساب والنجوم بمكان رحب الفناء واسع العطن متنائي الأقطار سيح المجال، والذي نعاه علينا الكاتب المذكور لو كان كما ذكره لكنا فيه شركاء لأكثر أمهات الحواضر وجلائل البلاد ومتسعات الأعمال، فهذه القيروان بلد المخاطب لنا، ما أذكر أني رأيت في أخبارها تأليفاً غير " المعرب (٢) عن أخبار المغرب " وحاشا تواليف محمد بن يوسف الوراق (٣) ، فإنه ألف للمستنصر رحمه الله تعالى في مسالك إفريقية وممالكها ديواناً ضخماً وفي أخبار ملوكها وحروبهم والقائمين عليهم كتباً جمة، وكذلك ألف أيضاً في أخبار تيهرت ووهران وتنس وسجلماسة ونكور والبصرة (٤) وغيرها تواليف حساناً، ومحمد هذا أندلسي الأصل والفرع، آباؤه من وادي الحجارة، ومدفنه بقرطبة، وهجرته إليها وإن كانت نشأته بالقيروان.

ولا بد من إقامة الدليل على ما أشرت إليه هاهنا إذ مرادنا أن نأتي منه


(١) ب: ومعقد؛ ومعق التمائم، أي موضع قطعها دلالة على تجاوز سن الطفولة.
(٢) ق: المغرب.
(٣) محمد بن يوسف أبو عبد الله التاريخي الوراق (الجذوة: ٩٠ وبغية الملتمس رقم: ٣٠٤ وفيهما ما قاله ابن حزم) .
(٤) يعني بصرة المغرب، وكانت قريبا من مدينة أصيلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>