للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرّق له ابن هود، وتحيّل حتّى خلّصه بشفاعته، فلمّا قدم عليه أنشده:

حياتي موهوبةٌ من علاكا ... وكيف أرى عادلاً عن ذراكا

ولو لم يكن لك من نعمةٍ ... عليّ وأصبحت أبغي سواكا

لناديت في الأرض هل مسعفٌ ... مجيبٌ فلم يصغ إلاّ نداكا فطرب ابن هود، وخلع عليه ثوب وزارته، وجعله من أعلام سلطنته وإمارته.

١٤٨ - وقال المنصور بن أبي عامر للشاعر المشهور أبي عمر يوسف الرمادي: كيف ترى حالك معي فقال فوق قدري ودون قدرك، فأطرق المنصور كالغضبان، فانسلّ الرمادي وخرج وقد ندم على ما بدر منه، وجعل يقول: أخطأت، لا والله ما يفلح مع الملوك من يعاملهم بالحق، ما كان ضرّني لو قلت له: إنّي بلغت السماء، وتمنطقت بالجوزاء، وأنشدته (١) :

متى يأت هذا الموت لا يلف حاجةً ... لنفسي إلا قد قضيت قضاءها لا حول ولا قوة إلاّ بالله.

ولمّا خرج كان في المجلس من يحسده على مكانه من المنصور، فوجد فرصة فقال: وصل الله لمولانا الظفر والسعد، إنّ هذا الصنف صنف زور وهذيان لا يشكرون نعمة، ولا يرعون إلاًّ ولا ذمّة، كلاب من غلب، وأصحاب من أخصب، وأعداء من أجدب، وحسبك منهم أن الله جلّ جلاله يقول فيهم " والشّعراء يتّبعهم الغاوون ... إلى مالا يفعلون "، والابتعاد منهم أولى من الاقتراب، وقد قيل فيهم: ما ظنّك بقوم الصدق يستحسن إلاّ منهم فرفع المنصور رأسه، وكان محبّاً في أهل الأدب والشعر، وقد اسودّ وجهه، وظهر فيه الغضب المفرط، ثمّ قال: ما بال أقوام يشيرون في شيء لم يستشاروا فيه، ويسيئون الأدب بالحكم فيما


(١) البيت لقيس بن الخطيم، ديوانه: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>