للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلاد بها عقّ الشباب تمائمي ... وأول أرضٍ مسّ جلدي ترابها فما لكم تعتزون لفخري وتنتمون، وتتأخرون في ميداني وتتقدمون، تبرأوا إليّ مما تزعمون " ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون ".

فقالت مالقة: أتتركوني بينكم هملاً، ولم تعطوني في سيّدنا أملاً، ولم ولي البحر العجاج، والسّبل الفجاج (١) ، والجنّات الأثيرة، والفاكهة الكثيرة؛ لديّ من البهجة ما تستغني به الحمام عن الهديل، ولا تجنح الأنفس الرقاق الحواشي إلى تعويض عنه ولا تبديل، فما لي لا أعطى في ناديكم كلاماً، ولا أنشر في جيش فخاركم أعلاماً؟

فكأن الأمصار نظرتها ازدراءً، فلم تر لحديثها في ميدان الذكر إجراءً، لأنها موطن لا يحلى منه بطائلٍ، ونظن البلاد تأوّلت فيها قول القائل:

إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخيرٌ من إجابته السّكوت فقالت مرسية: أمامي تتعاطون الفخر، وبحضرة الدّرّ تنفّقون الصخر؟ إن عدّت المفاخر، فلي منها الأول والآخر، أين أوشالكم من بحري، وخرزكم من لؤلؤ نحري، وجعجعتكم من نفثات سحري؟ فلي الروض النّضير، والمرأى الذي ما له من نظير، وزنقاتي (٢) التي سار مثلها في الآفاق، وتبرقع وجه جمالها بغرّة الإصفاق، فمن دوحات، كم لها من بكور وروحات، ومن أرجاء، إليها تمدّ أيدي الرجاء، فأبنائي فيها (٣) في الجنة الدنيوية مودعون، يتنعمون فيما يأخذون ويدعون، ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها ما يدّعون. فانقادوا لأمري، وحاذروا اصطلاء جمري، وخلّوا


(١) في نسخة بهامش ك: والسيل الثجاج.
(٢) الزنقات من متفرجات مرسية. (انظر المغرب ٢: ٢٤٦) .
(٣) ط ك: فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>