يبعث الله ولد زنى كلما أنشدت هذه الأبيات قال: إنّ قائلها أعمى، فقال: أمّا أنا فما أنطق بحرفٍ، فقال: من صمت نجا. وكانت نزهون بنت القلاعي حاضرةٌ فقالت: وتراك يا أستاذ قديم النعمة بمجمر ندّ وغناء وشراب، فتعجب من تأتّيه وتشبهه بنعيم الجنّة، وتقول: ما كان يعلم إلاّ بالسماع، ولا يبلغ إليه بالعيان؟ ولكن من يجيء من حصن المدوّر، وينشأ بين تيوس وبقر، من أين له معرفة بمجالس النعيم؟ فلما استوفت كلامها تنحنح الأعمى (١) ، فقالت له: ذبحة، فقال من هذه الفاضلة؟ فقالت: عجوز مقام أمك، فقال: كذبت، ما هذا صوت عجوز، إنّما هذه نغمة قحبة محترقة تشم روائح هنها على فرسخ؛ فقال له أبو بكر: يا أستاذ، هذه نزهون بنت القلاعي الشاعرة الأديبة، فقال: سمعت بها، لا أسمعها الله خيراً، ولا أراها إلاّ أيراً. فقالت له: يا شيخ سوء تناقضت، وأيّ خير للمرأة مثل ما ذكرت؟ ففكر ساعة ثمّ قال:
على وجه نزهونٍ من الحسن مسحةٌ ... وإن كان قد أمسى من الضوء عاريا
قواصد نزهونٍ توارك غيرها ... ومن قصد البحر استقلّ السواقيا فأعملت فكرها ثمّ قالت: