للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الفتح في ترجمة ما نصه (١) : ملك قمع العدا، وجمع البأس والندى، وطلع على الدنيا بدر هدى، لم يتعطل يوماً كفه ولا بنانه، آونة يراعه وآونة سنانه، وكانت أيامه مواسم، وثغوره بواسم (٢) ، ولياليه كلها دررا، وللزمان حجولاً وغرراً، لم يغفلها من سمات عوارف، ولم يضحها من ظل إيناس وارف، ولا عطلها من مأثرة بقي أثرها بادياً، ولقي معتفيه منها إلى الفضل هادياً، وكانت حضرته مطمحاً للهمم، ومسرحاً لآمال الأمم، ومقذفاً لكل كمي، وموقفاً لكل ذي أنف حمي، لم تخل من وفد، ولم يصح جوها من انسجام رفد، فاجتمع تحت لوائه من جماهير الكاة، ومشاهير الحماة، أعداد يغص بهم الفضاء، وأنجاد يزهى بهم النفوذ والمضاء، وطلع في سمائه كل نجم متقد، وكل ذي فهم منتقد، فأصبحت حضرته ميداناً لرهان الأذهان، ومضماراً لإحراز الخصل، في كل معنى وفصل، فلم يلتحق بزمامه إلا كل بطل نجد، ولم يتسق في نظامه إلا ذكاء ومجد، فأصبح عصره أجمل عصر، وغدا مصره أكمل مصر، تسفح فيه ديم الكرم، ويفصح فيه لساناً سيف وقلم، ويفضح الضى في وصفه أيام ذي سلم، وكان قومه وبنوه لتلك الحلبة زيناً، ولتلك الجملة عيناً، إن ركبوا خلت الأرض فلكاً يحمل نجوماً، وإن وهبوا رأيت الغمائم سجوماً، وإن أقدموا أحجم عنترة العبسي، وإن فخروا أفحم عرابة الأوسي، ثم انحرفت الأيام فألوت بإشراقه، وأذوت يانع إيراقه، فلم يدفع الرمح ولا الحسام، ولم تنفع تلك المنن الجسام، فتملك بعد الملك، وحط من فلكه إلى الفلك، فأصبح خائضاً تحدوه الرياح، وناهضاً يجزيه البكاء والصياح، قد ضجت عليه أياديه، وارتجت جوانب ناديه، وأضحت منازله قد بان عنها الأنس والحبور، وألوت ببهجتها الصبا والدبور، فبكت العيون عليه دماً، وعاد


(١) القلائد: وما بعدها.
(٢) م: والمطمح: وثغور بره بواسم.

<<  <  ج: ص:  >  >>