قال غير واحد: من النادر الغريب أنه نودي في جنازته " الصلاة على الغريب " بعد عظم سلطانه، وسعة أوطانه، وكثرة صقلبته وحبشانه، وعظم أمره وشانه، فتبارك من له العزة والبقاء والدوام، واجتمع عند قبره جماعة من الأقوام، الذين لهم في الأدب حصة، ولقضية المعتمد في صدورهم غصة، منهم البالغ في البلاغة الأمد، شاعره أبو بحر عبد الصمد، وكان به خصيصاً، وكم ألبسه من بره حلة وقميصاً، فقال من قصيدة طويلة أجاد فيها ما شا، وجلب بها إلى أنفس الحاضرين بعد الأنس إيحاشا، مطلعها:
ملك الملوك أسامع فأنادي أم قد عدتك عن السماع عوادي
ومنها:
لما خلت منك القصور ولم تكن فيها كما قد كنت في الأعياد
قبلت من هذا الثرى لك خاضعاً وجعلت قبرك موضع إنشاد
فلما بلغ من إنشاده، إلى مراده، قبل الثرى ومرغ جسمه وعفر خده، فبكى كل من حضر وصرفه ذلك عن سرور العيد وصده، إذ كانت هذه القصة يوم عيد، فسبحان المبدئ المعيد.
ويحكى أن رجلاً رأى في منامه إثر الكائنة على المعتمد بن عباد كأن رجلاً صعد منبر جامع قرطبة فاستقبل الناس وأنشد هذه الأبيات متمثلاً:
رب ركب قد أناخوا عيسهم في ذرى مجدهم حين بسق
سكت الدهر زماناً عنهم ثم أبكاهم دماً حين نطق
وعاش أبو بكر ابن اللبانة المعروف بالداني المذكور آنفاً بعد المعتمد، وقدم ميورقة آخر شعبان سنة ٤٨٩، ومدح ملكها مبشر بن سليمان بقصيدة مطلعها: