وتذكرت هنا من أحوال الداني أنه دخل على ابن عمار في مجلس، فأراد أن يندر به وقال له: اجلس ياداني، بغير ألف، فقال له: نعم يا ابن عمار، بغير ميم، وهذا هو الغاية في سرعة الجواب والأخذ بالثأرفي المزاح.
ونظيره - وإن كان من باب آخر - أن المعتمد مر مع وزيره ابن عمار ببعض أرجاء إشبيلية، فلقيتهما امرأة ذات حسن مفرط، فكشفت وجهها، وتكلمت بكلام لايقتضيه الحياء، وكان ذلك بموضع الجباسين الذين يصنعون به الجبس والجيارين الصانعين للجير، بإشبيلية، فالتفت المعتمد إلى موضع الجيارين، وقال: يا ابن عمار الجيارين، ففهم مراده، وقال في الحال: يا مولاي والجباسين، فلم يفهم الحاضرون المراد، وتحيروا، فسألوا ابن عمار، فقال له المعتمد: لاتبعها منهم إلا غالية، وتفسيرها أن ابن عباد صحف " الحيا زين " بقوله
الجيارين إشارة إلى أن تلك المرأة لو كان لها حياء لازدانت، فقال له والجباسين وتصحيفه " والخناشين " أي: هي وإن كانت جميلة بديعة الحسن لكن الخنا شانها، وهذا شأو لا يلحق.
ومن أخبار المعتمد أنه جلس يوماً والبزاة تعرض عليه، فاستحث الشعراء في وصفها، فصنع ابن وهبون بديهاً:
للصيد قبلك سنة مأثورة لكنها بك أبدع الأشياء
تمضي البزاة وكلما أمضيتها عاطيتها بخواطر الشعراء
فاستحسنهما، وأسنى جائزته.
وذكر ابن بسام أن أبا العرب الصقلي حضر مجلس المعتمد يوماً وقد حمل إليه حمولة وافرة من قراريط الفضة، فأمر له بسكين منها، وكان بين يديه تماثيل