عنبر من جملتها جمل مرصع بالذهب واللآلئ، فقال أبو العرب معرضاً: ما يحمل هذين الكيسين إلا جمل، فابتسم المعتمد وأمر له به، فقال أبو العرب بديهاً:
أهديتني (١) جملاً جوناً شفعت به ... حملاً من الفضة البيضاء لو حملاً نتاج جودك في أعطان مكرمة لا قد تصرف من منع ولا عقلا
فاعجب لشأني فشأني كله عجب رفهتني فحملت الحمل والجملا
وذكر الحجاري هذه القصة فقال: قعد المعتمد في مجلس احتفل في تنضيده وإحضار الطرائف الملوكية، وكان في الجملة تمثال جمل من بلور، وله عينان من ياقوتتين، وقد حلي بنفائس الدر، فأنشده أبو العرب قصيدة، فأمر له بذهب كثير مما كان بيده من السكة الجديدة، فقال معرضاً بذلك الجمل: ما يحمل هذه الصلة إلا جمل! فقال: خذ هذا الجمل، فإنه حمال أثقال، فارتجل شعراً منه:
رفهتني فحملت الحمل والجملا
وذكر أن ذلك الجمل بيع بخمسمائة مثقال، فسارت بهذا الخبر الركائب، وتهادته المشارق والمغارب.
وتباحث المعتمد مرة مع الجلساء في بيت المتنبي الذي زعم أنه أمير شعره:
أزورهم وسواد الليل يشفع لي وأنثني وبياض الصبح يغري بي
فقال: ما قصر في مقابلة كل لفظة بضدها إلا أن فيه نقداً خفياً، ففكروا فيه، فلما فكروا وقالوا له: ما وقفنا على شيء، فقال: الليل لا يطابق إلا بالنهار لأن الليل كلي والصبح جزئي، فتعجب الحاضرون، وأثنوا على تدقيق انتقاده.