للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الصفدي: قلت: ليس هذا بنقد صحيح، والصواب مع أبي الطيب، لأنه قال " أزورهم وسواد الليل يشفع لي " فهذا محب يزور أحبابه في سواد الليل خوفاً ممن يشي به، فإذا لاح الصبح أغرى به الوشاة، ودل عليه أهل النميمة، والصبح أول ما يغري به قبل النهار، وعادة الزائر المريب أن يزور ليلاً، وينصرف عند انفجار الصبح خوفاً من الرقباء، ولم تجر العادة أن الخائف يتلبث إلى أن يتوضح النهار، ويمتلئ الأفق نوراً، فذكر الصبح هنا أول من ذكر النهار، والله أعلم، انتهى.

قلت: كان يختلج في صدري ضعف ما قال الصفدي، حتى وقفت على ما كتبه البدر البشتكي، ومن خطه نقلت ما صورته: هو ما انتقد عليه المعنى، إنما انتقد عليه مطابقة الليل بالصبح، فإن ذلك فاسد، انتهى، فحمدت الله على الموافقة، انتهلى.

وقال في بدائع البدائه (١) : جلس المعتمد للشرب وذلك في وقت مطر أجرى كل وهدة نهراً، وحلى جيد كل غصن من الزهر جوهراً، وبين يديه جارية تسقيه وهي تقابل وجهها بنجم الكأس في راحة كالثريا، وتخجل الزهر بطيب العرف والريا، فاتفق أن لعب البرق بحسامه، وأجال سوطه المذهب يسوق به ركامه، فارتاعت لخطفته، وذعرت من خيفته، فقال المعتمد بديهاً:

روعها البرق وفي كفها برق من القهوة لماع

عجبت منها وهي شمس الضحى كيف من الأنوار ترتاع

فاستدعى عبد الجليل بن وهبون المرسي، وأنشده البيت الأول مستجزياً، فقال عبد الجليل:

ولن ترى أعجب من آنس من مثل ما يمسك يرتاع


(١) بدايع البدائه ١: ١٠٠ - ١٠١؛ وانظر ص: ٩٢ من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>