قد توورثت وتدوولت، ويكون في تلك المملكة قائد من قوادها قد شهرت عنه وقائع في العدو وظهر منه كرم نفسٍ للأجناد ومراعاة، قدّموه ملكاً في حصن من الحصون، ورفضوا عيالهم وأولادهم - إن كان لهم ذلك - بكرسيّ الملك، ولم يزالوا في جهاد وإتلاف أنفس حتى يظفر صاحبهم بطلبته. وأهل المشرق أصوب رأياً منهم في مراعاة نظام الملك، والمحافظة على نصابه، لئلاّ يدخل الخلل الذي يقضي باختلال القواعد وفساد التربية وحلّ الأوضاع.
ونحن نمثل في ذلك بما شاهدناه: لما كانت هذه الفتنة الأخيرة بالأندلس تمخّضت عن رجل من حصن يقال له أرجونة، ويعرف الرجل بابن الأحمر، كان يكثر مغاورة العدو من حصنه، وظهرت له مخايل وشواهد على الشجاعة، إلى أن سار (١) اسمه في الأندلس، وآل ذلك إلى ان قدّمه أهل حصنه على أنفسهم، ثم نهض فملك قرطبة العظمى، وملك إشبيلية، وقتل ملكها الباجيّ، وملك جيّان أحصن بلد بالأندلس وأجلّه قدراً في الامتناع، وملك غرناطة ومالقة، وسمّوه بأمير المسلمين، فهو الآن المشار إليه بالأندلس والمعتمد عليه.
[ابن سعيد يصف الخطط الأندلسية: ١ - الوزارة]
١ - الوزارة
وأمّا قاعدة الوزارة بالأندلس فإنّها كانت في مدة بني أميّة مشتركة في جماعة يعينهم صاحب الدولة للإعانة والمشاورة، ويخصّهم بالمجالسة، ويختار منهم شخصاً لمكان النائب المعروف بالوزير فيسمّيه بالحاجب، وكانت هذه المراتب لضبطها عندهم كالمتوارثة في البيوت المعلومة لذلك، إلى أن كانت ملوك الطوائف، فكان الملك منهم - لعظم اسم الحاجب في الدولة المروانية، وأنّه كان نائباً عن خليفتهم - يسمّى بالحاجب، ويرى أن هذه السمة أعظم ما تنوفس فيه وظفر به، وهي موجودة في أمداح شعرائهم وتواريخهم. وصار