للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما جاء ملوك الطوائف صاروا يتبسّطون للخاصّة وكثيرٍ من العامة، ويظهرون مداراة (١) الجند وعوام البلاد، وكان أكثرهم يحاضر العلماء والأدباء، ويحب أن يشهر عنه ذلك عند مباريه في الرياسة.

ومذ وقعت الفتنة بالأندلس اعتاد أهل الممالك المتفرقة الاستبداد عن إمام الجماعة، وصار في كل جهة مملكة مستقلة يتوارث أعيانها الرياسة كما يتوارث ملوكها الملك، ومرنوا على ذلك، فصعب ضبطهم إلى نظام واحد، وتمكن العدو منهم بالتفرق وعداوة بعضهم لبعض بقبيح المنافسة والطمع، إلى أن انقادوا إلى عبد المؤمن وبنيه، وتلك القواعد في رؤوسهم كامنة، والثوّار في المعاقل تثور (٢) ، وتروم الكرّة، إلى أن ثار ابن هود، وتلقّب بالمتوكل، ووجد قلوباً (٣) منحرفة عن دولة بر العدوة، مهيأة للاستبداد، فملكها بأيسر محاولة، مع الجهل المفرط وضعف الرأي، وكان مع العامة كأنّه صاحب شعوذة، يمشي في الأسواق ويضحك في وجوههم ويبادرهم بالسؤال. وجاء للناس منه ما لم يعتادوه من سلطان، فأعجب سفهاء الناس وعامتهم العمياء، وكان كما قيل:

أمورٌ يضحك السفهاء منها ... ويبكي من عواقبها الحليم فآل ذلك إلى تلف القواعد العظيمة، وتملّك الأمصار الجليلة، وخروجها من يد الإسلام.

والضابط فيما يقال في شأن أهل الأندلس في السلطان أنهم إذا وجدوا فارساً يبرع الفرسان أو جواداً يبرع الأجواد تهافتوا في نصرته، ونصبوه ملكاً من غير تدبير في عاقبة، آل الأمر إلى ما يؤول إليه، وبعد أن يكون الملك في مملكة


(١) ق ج ط: لمداراة.
(٢) ط ق: تنزو.
(٣) ك: القلوب.

<<  <  ج: ص:  >  >>