للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأذفونش يتهدد ويتوعد ويرعد ويبرق، ويطلب بعض الحصون المتاخمة له من بلاد الأندلس، وخلاصة اللأمر أن المنصور توجه بعد ذلك إلى لقاء النصارى، وتزاحف الفريقان، فكان المصاف شمالي قرطبة على قرب قلعة رباح في يوم الخميس تاسع شعبان سنة ٥٩١، فكانت بينهم وقعة عظيمة استشهد فيها جمع كبير من المسلمين.

وحكي أن يعقوب المنصور جعل مكانه تحت الأعلام السلطانية الشيخ أبا يحيى ابن أبي حفص عم السلطان أبي زكريا الحفصي الذي ملك بعد ذلك إفريقية، وخطب له ببعض الأندلس، فقصد الإفرنج الأعلام ظناً أن السلطان تحتها، فأثروا في المسلمين أثراً قبيحاً، فلم يرعهم إلا والسلطان يعقوب قد أشرف عليهم بعد كسر شوكتهم، فهزمهم شر هزيمة، وهرب الأذفونش في طائفة يسيرة، وهذه وقعة الأرك الشهيرة الذكر.

وحكي أن الذي حصل لبيت المال من دروع الإفرنج ستون ألفاً، وأما الدواب على اختلاف أنواعها فلم يحصر لها عدد، ولم يسمع بعد وقعة الزلاقة بمثل وقعة الأرك هذه، وربما صرح بعض المؤرخين بأنها أعظم من وقعة الزلاقة. وقيل: إن فل الإفرنج هربوا إلى قلعة رباح فتحصنوا بها، فحاصرها السلطان يعقوب حتى أخذها، وكانت قبل للمسلمين، فأخذها العدو، فردت في هذه المرة، ثم حاصر طليطلة وقاتلها أشد قتال وقطع أشجارها وشن الغارات على أرجائها، وأخذ من أعمالها حصوناً وقتل رجالها وسبى حريمها وخرب منازلها وهدم أسوارها وترك الإفرنج في أسوأ حال، ولم يبرز إليه أحد من المقاتلة، ثم رجع إلى إشبيلية، وأقام إلى سنة ٥٩٣، فعاد إلى بلاد الفرنج، وفعل فيها الأفاعيل، فلم يقدر العدو على لقائه، وضاقت على الإفرنج الأرض بما رحبت، فطلبوا الصلح فأجابهم إليه، لما بلغه من ثورة الميرقي عليه بإفريقية مع قراقوش مملوك بني أيوب سلاطين مصر والشام.

ثم توفي السلطان يعقوب سنة ٥٩٥. وما يقال إنه ساح في الأرض

<<  <  ج: ص:  >  >>