للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يتزيّا سلاطينهم وأجنادهم بزيّ النصارى المجاورين لهم، فسلاحهم كسلاحهم، وأقبيتهم من الإشكرلاط (١) وغيره كأقبيتهم، وكذلك أعلامهم وسروجهم.

ومحارتهم بالتّراس والرّماح الطويلة للطعن، ولا يعرفون الدبابيس، ولا قسيّ العرب، بل يعدون قسيّ الإفرنج للمحاصرات في البلاد، أو تكون للرجّالة عند المصاففة للحرب، وقليلاً (٢) ما تصبر الخيل عليهم أو تمهلهم لأن يوتروها، ولا تجد في خواص الأندلس وأكثر عوامهم من يمشي دون طيلسان، إلاّ أنّه لا يضعه على رأسه منهم إلا الأشياخ المعظّمون، وغفائر الصوف كثيراً ما يلبسونها حمراً وخضراً؛ والصّفر مخصوصة باليهود، ولا سبيل إلى يهودي (٣) أن يتعمّم البتّة، والذؤابة لا يرخيها إلاّ العالم، ولا يصرفونها بين الأكتاف، وإنّما يسدلونها من تحت الأذن اليسرى. وهذه الأوضاع التي بالمشرق في العمائم لا يعرفها أهل الأندلس، وإن رأوا في رأس مشرقّي داخلٍ إلى بلادهم شكلاً منها أظهروا التعجب والاستظراف، ولا يأخذون أنفسهم بتعليمها لأنهم لم يعتادوا ولم يستحسنوا غير أوضاعهم، وكذلك في تفصيل الثياب.

[تدبير الأندلسيين ومروءتهم]

وأهل الأندلس أشدّ خلق الله اعتناء بنظافة ما يلبسون وما يفرشون، وغير ذلك ممّا يتعلّق بهم، وفيهم من لا يكون عنده إلا ما يقوته يومه، فيطويه صائماً ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابه، ولا يظهر فيها ساعةً على حالة تنبو العين عنها.

وهم أهل احتياط وتدبير في المعاش وحفظ لما في أيديهم خوف ذلّ السؤال، فلذلك قد ينسبون للبخل، ولهم مروءات على عادة بلادهم، لو فطن لها حاتم


(١) الاشكرلاط، ويقال الاشكيلاط (ecarlate) نوع من الجوخ، قرمزي أحمر.
(٢) ك: وكثيراً.
(٣) ك: ليهودي.

<<  <  ج: ص:  >  >>