وشرّقت وهو يقرئ درسه لضحك بملء فيه من شدة التحريف الذي في لسانه؛ والخاصّ منهم إذا تكلم بالإعراب وأخذ يجري على قوانين النحو استثقلوه واستبردوه، ولكن ذلك مراعىً عندهم في القراءات والمخاطبات بالرسائل. وعلم الأدب المنثور من حفظ التاريخ والنظم والنثر ومستظرفات الحكايات أنبل علم عندهم، وبه يتقرب من مجالس ملوكهم وأعلامهم، ومن لا يكون فيه أدب من علمائهم فهو غفلٌ مستثقلٌ.
والشعر عندهم له حظ عظيم، وللشعراء من ملوكهم وجاهة، ولهم عليهم وظائف، والمجيدون منهم ينشدون في مجالس عظماء ملوكهم المختلفة، ويوقّع لهم بالصلات على أقدارهم، إلا أن يختل الوقت ويغلب الجهل في حين مّا ولكن هذا الغالب. وإذا كان الشخص بالأندلس نحويّاً أو شاعراً فإنّه يعظم في نفسه لا محالة ويسخف ويظهر العجب، عادةٌ قد جبلوا عليها.
[الزي الأندلسي في السلم والحرب]
وأما زيّ أهل الأندلس فالغالب عليهم ترك العمائم، لا سيما في شرق الأندلس، فإن أهل غربها لا تكاد ترى فيهم قاضياً ولا فقيهاً مشاراً إليه إلاّ وهو بعمامة، وقد تسامحوا بشرقها في ذلك، ولقد رأيت عزيز بن خطاب (١) أكبر عالم بمرسية، حضرة السلطان في ذلك الأوان، وإليه الإشارة، وقد خطب له بالملك في تلك الجهة، وهو حاسر الرأس، وشيبه قد غلب على سواد شعره. وأما الأجناد وسائر الناس فقليل منهم تراه بعمّة في شرق منها أو في غرب، وابن هود الذي ملك الأندلس في عصرنا رأيته في جميع أحواله ببلاد الأندلس وهو دون عمامة، وكذلك ابن الحمر الذي معظم الأندلس الآن في يده، وكثيراً
(١) عزيز بن عبد الملك بن محمد بن خطاب القيسي، أبو بكر مرسي سرقسطي الأصل، كان زاهداً عابداً ناشراً للعلم حتى امتحن برياسة بلده فلم تحمد سيرته، قتل سنة ٦٢٦. (ترجمته في الذيل والتكملة ٥: ١٤٤ وفي الحاشية ثبت بالمصادر) .