للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الزوال السريعة، ومقتبس من نبراس الرواية، وملتبس بأدناس الغواية، وشاعر هام في كل واد، وقال ما لم يفعل فكان للغاوين من الرواد، وجاهل عمر الخراب، وخدع بالسراب، عن أعذب الشراب، ومحقق علم أنه إذا جاء القدر عمي البصر ممن كان حذر من غراب، وموفق تيقن أن غير الله فان وكل الذي فوق التراب تراب (١) ، ومن متخلق متجرد تصوف (٢) ، ومتعلق متفرد تشوق إلى ما فيه رضا الرب وتشوف، وناه ذكر بأيام الله ووعظ وخوف، ولاه اغتر بالباطل، فهو بالحق مماطل، وطالما أخره وسوف، وأبعد الانتجاع، ثم أوى من باطنه إلى بيت قعيدته لكاع (٣) ، نفس أمارة بعدما طوف، ومن مادح نظم الآلاء نظم اللآل، وكادح طمس لألاء العز بظلمة ذل السؤال، فجعل القصائد مصايد، والرسائل وسائل، والمقطعات مرقعات (٤) ، فآل أمره إلى ما آل، ومن مخبر بما سمع ورأى، حين اغترب عن مكانه ونأى، أو أقام في أوطانه فبلغ ما قدر ووأى (٥) ، ومن مجازف لا يفرق بين الغث والسمين والإمرار والإحلام، وعارف ثقة أمين نظم در الصدف الثمين في أسلاك الكتابة والإملاء، وعاشق خنساء فكره ذات الصدار، من الشجون والشعار، تبكي على صخر قلب المحبوب، وتذكره كلما طلعت شمس أو كان للصبا


(١) يسير إلى قول المتنبي:
إذا صح منك الود فالكل هين ... وكل الذي فوق التراب تراب (٢) متخلق: لايس أخلاق الثياب، وهو ذو خلق. ومتجرد: عريان، أو قد جرد نفسه للعبادة.
(٣) من قول الحطيئة:
أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع والقعيدة اللكاع هنا: نفسه الأمارة بالسوء.
(٤) المرقعات: ملابس المتصوفة، والمعنى أنه جعل مقطعاته الشعرية وسيلة للتصيد كمرقعات المتصوفة.
(٥) وأى: وعد وضمن بعزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>