ومنها في ذكر صاحبهم الماسي (١) المدعي للهداية: فصرع بحمد الله تعالى لحينه، وبادرت إليه بوادر منونه، وأتته وافدات الخطيئات عن يساره ويمينه، وقد كان يدعي أنه بشر بأن المنية في هذه الأعوام لا تصيبه، والنوائب لا تنوبه، ويقول في سواه قولاً كثيراً، ويختلق على الله تعالى إفكاً وزوراً، فلما رأوا هيئة اضطجاعه، وما خطته الأسنة في أعضائه وأضلاعه، ونفذ فيه من أمر الله تعالى ما لم يقدروا على استرجاعه، هزم من كان لهم من الأحزاب، وتساقطوا على وجوههم تساقط الذباب، وأعطوا عن بكرة أبيهم صفحات الرقاب، ولم تقطر كلومهم إلا على الأعقاب، فامتلأت تلك الجهات بأجسادهم، وآذنت الآجال بانقراض آمادهم، وأخذهم الله تعالى بكفرهم وفسادهم، فلم يعاين منهم إلا من خر صريعاً، وسقى الأرض نجيعاً، ولقي من أمر الهنديات فظيعاً، ودعت الضرورة باقيهم إلى الترامي في الوادي؛ فمن كان يؤمل الفرار ويرتجيه، ويسبح طامعاً في الخروج إلى ما ينجيه، اختطفته الأسنة اختطافاً، وأذاقته موتاً ذعافاً، ومن لج في الترامي على لججه، ورام البقاء في ثبجه، قضى عليه شرقه، وألوى بذقنه غرقه، ودخل الموحدون إلى البقية الكائنة فيه يتناولون قتالهم طعناً وضرباً، ويلقونهم بأمر الله تعالى هولاً عظيماً وكرباً، حتى انبسطت مراقات الدماء، على صفحات الماء، وحكت حمرتها على رزقته حمرة الشفق على زرقة السماء، وجرت العبرة للمعتبر، في جري ذلك الدم جري الأبحر ".
وبالجملة فالرجل كان نسيج وحده رحمه الله تعالى وسامحه، وقضية لسان الدين تشبه قضيته، وكلاهما قد ذاق من الذل بعد العز غصته، وبدل الدهر نصيبه من الوزارة وحصته، بعد أن اقتعد ذروة ومنصته، رحم الله تعالى الجميع، إنه مجيب سميع.
(١) هذا الثائر هو محمد بن عبد الله بن هود، تلقب بالهادي، وظهر في رباط ماسة بمنطقة السوس، وكثر أتباعه، حتى قضى عليه أبو حفص عمر إينتي سنة ٥٤١.