نهرها قبالة القصر، ولم يطمئنّوا إلى الدخول على لذريق أخذاً بالحزم، إلى أن استتبّ جهاز لذريق وخرج، فانضموا إليه، ومضوا معه وهم مرصدون لمكروهه. والأصح - والله أعلم - ما سبق أن ملك القوط اجتمع للذريق، واختلف في اسمه فقيل: رذريق - بالراء أوله - وقيل: باللام لذريق وهو الأشهر، وقيل: إن أصله من أصبهان ويسمّى الإشبان، والله أعلم (١) .
قالوا: وعسكر لذريق في نحو مائة ألف ذوي عدد وعدّة، فكتب طارق إلى موسى يستمدّه ويعرّفه أنّه فتح الجزيرة الخضراء فرضة الأندلس، وملك المجاز إليها، واستولى على أعمالها إلى البحيرة، وأن لذريق زحف إليه بما لا قبل له به، إلا أن يشاء الله، وكان موسى منذ وجّه طارقاً لوجهه، قد أخذ في عمل السفن حتى صار عنده منها عدّة كثيرة، فحمل إلى طارق فيها خمسة آلاف من المسلمين مدداً كملت بهم عدة من معه اثني عشر ألفاً أقوياء على المغانم، حراصاً على اللقاء، ومعهم يليان المستأمن إليهم في رجاله وأهل عمله يدلهم على العورات، ويتجسس لهم الأخبار، وأقبل نحوهم لذريق في جموع العجم، وملوكها وفرسانها، فتلاقوا فيما بينهم وقال بعضهم لبعض: إن هذا ابن الخبيثة قد غلب على سلطاننا، وليس من أهله، وإنّما كان من أتباعنا، فلسنا نعدم من سيرته خبالاً في أمرنا، وهؤلاء القوم الطارقون لا حاجة لهم في استيطان بلدنا، وإنّما مرادهم أن يملأوا أيديهم من الغنائم، ثم يخرجوا عنّا، فهلمّ فلنهزم بابن الخبيثة إذا نحن لقينا القوم لعلّهم يكفوننا إيّاه، فإذا انصرفوا عنّا أقعدنا في ملكنا من يستحقّه، فأجمعوا على ذلك، والقضاء يبرم ما ارتأوه.
وكان لذريق ولّى ميمنته أحد ابني غيطشة، ميسرته الآخر، فكانا
(١) وقيل ... أعلم: هذه الجملة موجودة في جميع الأصول وهي قلقة ولا تلتئم مع ماتقدم من حديث عن إشبان.