للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتهى إلى مكان قرطبة، وهي يومئذ خراب، وكان في موضع قصرها غيضة عليق ملتفة أشبة، فأرسل الملك بازياً له يكرم عليه على حجلة عنّت له من ناحية الكدية (١) المنسوبة بعد إلى أبي عبدة (٢) ، فتخبّت في ذلك العلّيق، ولجّ البازي في الانقضاض عليها، فركض الملك خلفه حتى وقف على مكانه بالحرجة، فأمر بقطعها لاستنقاذ بازيه ضنّاً منه به، فقطعت، وبدا له تحتها أساس فصر عظيم راقه رصّه، وقد كان ذا همة، فأمر بالكشف عنه، وتقصيّ حدوده طولاً وعرضاً، وتتبع أسّه وأصله، فوجده مبنيّاً من وجه الماء بصمّ الحجارة فوق زرجونٍ وضع بينها وبين الماء بأحكم صناعة، فقال: هذا أثر ملك كريم، وأنا أولى من جدّده، فأمر بإعادته إلى هيأته، واتخاذه منزلاً من منازل راحاته، فكان إذا طاف بعمله أو مضى في متصيّده نزل فيه، وصار السبب في بناء قرطبة إلى جنبه، ونزول (٣) الناس فيها، وتوارث الملوك قصرها من بعد، ونزله لذريق في زحفه إلى العرب أيّاماً، والحشود من أعماله تتوافى إليه، ثم مضى نحو كورة شذونة يبغي لقاءهم في حشوده الكثيرة.

وقيل: إن آخر ملوك الأندلس الذين تلتهم العرب غيطشة، وإنّه هلك عن أولاد ثلاثة صغار لم يصلحوا للملك، فضبطت أمّهم عليهم ملك والدهم بطليطلة، وانحرف لذريق قائد الخيل لوالدهم فيمن تبعه عنهم، فصار بقرطبة، فلمّا اقتحم طارق الأندلس نفر إليه لذريق واستنفر إليه أجناد أهل الأندلس، وكتب إلى أولاد غيطشة - وقد ترعرعوا، وركبوا الخيل، واتخذوا الرجال - يدعنهم إلى الاجتماع معه على حرب العرب، ويحذرهم من القعود عنه، ويحضهم على أن يكونوا على عدوهم يداً واحدة، فلم يجدوا بدّاً، وحشدوا، وقدموا عليه بقرطبة، فنزلوا أكناف قرية شقندة بعدوة


(١) الكدية: الأرض المرتفعة.
(٢) ك ق ج: عبيدة.
(٣) ك: ونزل.

<<  <  ج: ص:  >  >>